الثلاثاء، 25 مارس 2008

هكذا كان جمال عبد الناصر وهكذا سيبقى ياشيخ عبد الصبور


قلّما تجد كتابا من مؤلفات بواسل الجماعات الإسلامية يتحدث عن مرحلة عبد الناصر الا ويتهم وينتقص من الزعيم الخالد وخاصة كتّاب جماعة الإخوان المسلمين الأكثر كرها وحنقا وحقدا على عبد الناصر إذ تتراوح تلك الاتهامات والانتقاصات بين التكفير التفسيق و التخوين وقد حفلت بعض كتبهم بروايات فضيعه بشعة وجرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان زعموا أنها طالت الجماعات الاسلاميه في عهد الثورة عُلّقت كلها برقبة جمال عبد النصر خصمهم اللدود حيا وميتا
حتى كأنك وأنت تقرأ عن تلك الفظائع والجرائم الإنسانية إنما تقرأ عن وحش في صورة إنسان وآخر ما سمعنا به من تلك المقولات والمنقولات والتصريحات التي تخرج بين الفينة والأخرى من تحت أبط الجامعات الاسلاميه وشيوخهم البواسل من أيام عبد الناصر إلى يومنا هذا، ما قاله الشيخ الدكتور عبد الصبور شاهين في احد البرامج ، فقد رمى فضيلته جمال عبد الناصر بتهمة العداء للإسلام وتلك التهمه ليس لها إلا معنى واحدا هو الحكم على عبد الناصر بالكفر
الغريب أن تلك الجماعات من الإخوان إلى السلفيين إلى غيرهم من الفرق التي تتكاثر وتتفرع في العالم الإسلامي كتكاثر الأرانب في سفوح استراليا بعمائمهم البيض والخضر والسود ممن يناصبون عبد الناصر العداء ويتهمونه بالظلم والدكتاتورية والحكم الفردي والكفر يتحفوننا هذه الأيام بفتاوى من فئة ألخمسة نجوم ، ومنها على سبيل المثال لا احصر فتوى وجوب الانبطاح لولي الأمر وان ضرب ظهرك ونتف ريشك ولعن سلسفيل اهلك فولى الأمر الذي يغدق عليهم العطايا والهبات هو ظل الله في الأرض وفي يديه الجنة والنار إحداهما في يمينه والأخرى في يساره ويكفي تفله واحده من فمه الطاهر يخرجها من بين شدقيه في ليلة حمراء ليدحشك في جنهم سبعين خريفا
بل وبلغ الانبطاح يبعضهم إلى درجة المناداة بواجب التوريث في بعض الجمهوريات أسوة بالممالك والإمارات و من منظور فقهي و شرعي لا تثريب فيه ولا تأثيم ، والبعض الآخر ينادى بتطبيق حد الجلد على الصحفيين المارقين الناقدين لظلم الطغاة والدكتاتوريين ، تلك الثقافة الانهزامية الانبطاحية الاستعبادية التي يروج لها بعض أولئك الشيوخ الذين استمدوا أريجها من عبق قصور الخلفاء والأمراء من عصور بيني أميه والعباسين و الإخشيديين والعبّادين والمماليك وغيرهم يبحثون لها عن موطأ قدم في القرن الحادي والعشرين لعلهم ينالون من فيضها نصيب كما فعل أسلافهم المعممين من قبل
فالتاريخ الإسلامي ينبآنا أن الدكتاتوريين في كل عصر ومصر ما كان لهم أن يستعبدوا الناس وقد ولدتهم امهاتم أحرار لولا شيوخ الزيطه والزمبليطه بتوع ساعة لقلبك وساعة لربك الذين يفصّلون الفتاوى بالطلب وفق أهواء الأمراء والملوك والخلفاء والزعماء ويحشدون ويحشرون النصوص ويلوون أعناقها حتى تستقيم كما أراد لها ولى الأمر أن تكون ، وكأن الله انزلها علي قلبه وليس على قلب محمد ، كثير من هولا وجدوا في عبد الناصر عدوا لدودا وخصما عنيدا بعد أن اغترف المعصية الكبرى في نظر الروبيضه ونذر نفسه لتحرير الأمة العربية من أرسان التخلف والتبعية و حمل راية التحرير من المحيط إلى الخليج ونفض بيديه الطاهرتين غبار الذل والعار عن هذه الامه وحطم قيود الكهنوت واعتق رقاب الشعوب العربية من الاستعباد لوكلاء الاستعمار ، والاسترقاق لأرباب الدرهم والدينار
أرادها عبد الناصر حرية تملاء أصقاع الأرض و يستنشق عبيرها كل كبد رطب في الوطن العربي فساءهم ضياع العروش والقروش وما كنزوه بثمن بخس من استعباد العباد ومص دماء المساكين وعرق جبين الكادحين فولولوا وولولوا ويلي ويلي يا ويللي ، وأكثر المولولون هم الإخوان المسلمين الذين أردوا أن يقطفوا ثمار ثورة الأحرار بردا وسلاما باعتبارهم خلفاء الله في الأرض
فصبوا جام غضبهم على زعيم الثورة وقائد الأحرار وحامل لواء الحرية الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ونعتوه بكل قبيح وشتموه بكل الشتائم ووصفوه بكل الرذائل وحملوه أعباء كل جريرة ارتكبها ساقط أو فاسق هنا أو هناك ،
وإذا كان البعض من أصحاب اللطائف والقلوب الرهائف يلتمسون الاعذار ويتفهمون هجوم الاخوان المسلمين على عبد الناصر في خضم الصراع على السلطة ومحاولة الانفراد بالقرار وانتزاعه بالقوة من باب الغاية تبرر الوسيلة
فانه من الصعوبة بمكان أن يتفهم منصف هجوم الشيخ عبدالصبور شاهين الشيخ الذي بلغ من الكبر عتيا على عبد الناصر بعد أكثر من ثلث قرن على وفاته واتهامه بعداوة الإسلام وهو يعلم أو لا يعلم أو لا يريد أن يعلم أن جمال عبد الناصر كان أكثر إسلاما وحبا وإخلاصا والتزاما لدينه من أدعياء الصلاح التقوى وأكثر زهدا في الدنيا وزخرفها من أصحاب العمائم والجلابيب بدليل انه الزعيم العربي الوحيد الذي خرج من الدنيا دون أن يورث لأبنائه قصورا وعروشا و أرصدة في البنوك ولم يمتلك في حياته ولا حتى شقة متواضعة ، وان دخله الوحيد لم يكن أكثر من راتبه المتواضع الذي يتشارك مصروفاته مع أسرته
عبد الناصر الذي يتهمه عبد الصبور بعداوة الإسلام هو أول من جعل مادة الدين إجبارية وفي كل مراحل التعليم في مصر بعد أن كانت اختيارية، وحول مادة الدين لأول مرة إلى مادة للنجاح والرسوب، وهو الذي أنشاء محطة القران الكريم وسجل المصحف مرتلا بأصوات كبار المقرئين ، وارتفعت أعداد المساجد في عهده من 11 ألف إلى 21 ألف مسجدا وأعفى طلاب الأزهر من خدمة العلم لتشجيع الشباب المصري على طلب العلم الشرعي ، و فتح باب الأزهر مشرعا للطلبة المسلمين من كل أصقاع الأرض للدراسة على حساب الحكومة المصرية وخاصة القادمين من أفريقيا ، بل أن عبد الناصر ألّف كتابا اسماه (الإسلام هو الحل) ولكن بكل تأكيد ليس على الطريقة الاخوانيه
عبد الناصر كان من إيمانه وتقواه وحرصه على أداء الفرائض أن أصر في أثناء رحلته الطويلة الشاقة في رمضان الى شرق اسيا أن يظل صائما ولا يفطر في الوقت الذي افطر رفيقه في السفر الشيخ احمد حسن الباقوري عملا بالرخصة
عبد الناصر كان حريصا حتى على اداء صلاته و في أصعب الظروف وأضيقها فقد أصر أثناء مباحثاته مع الروس أن يقطع المحادثات رغم أهميتها القصوى حتى يؤدى فرض الصلاة مع رفاقه ،وقد وصفه الباقوري فيما بعد بأنه كان رجلا متدينا
فهل رجل كهذا يمكن أن يوصف بأنه يعادى الإسلام ياشيخ عبدالصبور !! أم أن عين السخط تبدى المساوي؟!
لقد عاش عبد الناصر ورحل عن دنيا الناس وأياديه بيضاء ناصعة البياض وسجله حافلا بالمنجزات ومتوهجا بأعظم مراتب الشرف والقيم الإنسانية والدينية والاخلاقيه والوطنية وإذا كان الفضل ما تشهد به الأعداء فقد شهد بفضله العدو اللدود قبل الصديق الودود
فهذا يوجين جوستن رجل المخابرات المركزية الامريكة يصف عبد الناصر بأنه رجل غير قابل للتجريح ، موكدا أن مشكلتهم (اى الامريكين والصهاينة) مع عبد الناصر انه بلا رذيلة مما يجعله من الناحية العملية غير قابل للتجريح فلا نساء ولا خمر ولا مخدرات ولا يمكن شراؤه أو رشوته انه بلا رذيلة وغير قابل للفساد. فهل ياشيخ عبد الصبور يمكن لرجل كهذا أن يكون عدوا للإسلام!!
وإذا كان الأعداء قد شهدوا مرغمين على طهارة نفسه ونزاهة يده وصلابة موقفه وقوة شكيمته فقد كان للأصدقاء ممن أسعدهم الزمان بلقاء عبد الناصر والتعامل معه كزعيم عربي شهادة ستبقى مادمت الدنيا تدور وما أشرقت شمس وبزغ نجم وتعاقب الليل والنهار
ومن هولاء الأصدقاء العظماء الذين عرفوا قدر عبد الناصر فأحبوه الزعيم الهندي المعروف جواهر لال نهرو فقد وصف عبد الناصر قائلا "أن ما أحبه في ناصر انه يتميز بصدق مطلق ،ونهمه متصل للمعرفة ،وشجاعته حاضرة ،وهذا ماجعله رجل الفكر والعقل والفعل المؤهل لقيادة أمة في حقبة حاسمه".
وأما الكاتب الهندي ديوان برندرانات فقد قال في كتابه "ناصر الرجل المعجزة" ان التاريخ المعاصر للعالم العربي وخاصة مصر وتاريخ حياة ناصر" لا يمكن فصل احدهما عن الأخر فالدراسة الواحدة لا تكتمل إلا أذا أبقينا الأخرى نصب أعيننا .
ويقول الكاتب البريطاني "توم ليتل أن قوة منطق ناصر مستمدة من قوة منطق التاريخ إن ارتباط عبد الناصر بتراب هذا الوطن وتاريخه هو الذي صاغ صورته الجماهيرية ، أما التزامه بقضايا الوطن ومسارعته بالدفاع عنها فقد كان وسيلته في توصيل هذه الصورة إلى شعب الامه العربية في كل مكان .
هكذا كان عبد الناصر قائدا وزعيما ورئيسا ومؤمنا وملهما ومحررا وحاملا شعلة الحرية ليس في الوطن العربي فحسب بل في أرجاء المعمورة من حيث تشرق الشمس والى حيث تغيب وإذا كان عالم الأحرار والشرفاء يذكر جيفارا وصلاح الدين وعمر المختار وتشرشل ونابليون وديجول كعظماءفان عبد الناصر قد جمع كل أولئك في نبله وشرفه وزعامته وحنكته وثورته وفطنته وعظمته.
إن كل مؤرخ أمين منصف لتاريخ الامه العربية سوف يضع عبد الناصر على رأس أعظم عظماء هذه الامه منذ أن تم النطق بالضاد على ظهر البسيطة والى أن يرث الله الأرض ومن عليها
لقد عاش عبد الناصر عملاقا ومات عملاقا وسيبقى عملاقا في نظر الشرفاء والأحرار إلى ابد الدهر ولن يضير عبد الناصر يوما أن يرميه فلان أو علان بتهم باطله ممجوجة مهما كانت مكانته وعلت قامته فقامة عبد الناصر ومكانته في قلوب الشرفاء الاحرار ستظل هى الاكبر وألاعظم ،هذه هي الحقيقة التي اعترف بها مرشد الإخوان المسلمين في فلسطين حينما سمع بموت جمال عبد الناصر فقد فقال " لم أكن يوما متعاطفا مع جمال عبد الناصر حتى وفاته إلا أنني شعرت باليتم حينما تناهى إلى سمعي نبأ وفاة عبد الناصر وقال لقد قضى ناصر على جميع الزعامات السياسية ولم يبقى في الساحة من يستطيع أن يخلفه ويملاء الفراغ الذي تركه.
حقا لا يزال الفراغ واليتم والحرمان يخيم على بلاد العرب منذ أن رحل جمال عبد الناصر عن الدنيا .
رحمك الله يا أبا خالد ما أعظمك حيا وميتا
منقول من موقع arabtimes.com
بقلم سعيد جداد/ ابو عماد