الجمعة، 8 أكتوبر 2010

المصرى اليوم | د. ممدوح حمزة يكتب: «إوعى تصحى يا عبدالناصر»

المصرى اليوم | د. ممدوح حمزة يكتب: «إوعى تصحى يا عبدالناصر»: "- Sent using Google Toolbar"

صباح ٢٨ سبتمبر ٢٠١٠ تركت سريرى، بملاءته القطنية البيضاء من إنتاج غزل المحلة، وخلعت بيجامتى «جورج»، وغسلت وجهى بصابونة «شم النسيم»، وتبعت هذا بدوش لـطيف مستخدما صابونة «نابلسى». كنت أرجو أن تكون حلاقة ذقنى بموسى «ناسيت» لكن مصنعه أغلق.. ارتديت ملابسى الداخلية ماركة «جيل» وشرابا من إنتاج «الشوربجى» وقميص «سويلم» لينو «مصر البيضا»، وأخيراً البدلة «الاستيا» ثم كولونيا الشبراويشى «الثلاث خمسات» ووضعت قدمى فى حذاء من «باتا».

كل ما لامس جسدى فى هذا الصباح صنعته أيادى أولاد بلدى- سواء فى القطاع العام أو الخاص. ربما ليست الأشيك، وليست الأرق، وليست الأنعم، لكنها الأقرب إلى قلبى والأكثر قبولاً لعقلى وضميرى، فهى تجعلنى شريكاً فى منظومة تنمية مصر بالقدرة الذاتية، وهى التنمية التى تعمل أيضاً على رفع هذه القدرة الذاتية، وتجعلنى شريكاً فى الحفاظ على توازن الميزان التجارى، فكل مليم دفعته فى كل منتج يعود إلى أبناء هذا البلد.

لم أجد شقة بلدى فول أو شقة بلدى طعمية فى محل «نجف»- ولكنى كنت فى طريقى إلى ضريح عبدالناصر، وكان معى القرص والبرتقال.

أتأمل فى موروث الرجل فأجد أن التنمية بالقدرة الذاتية المصرية هى الموروث الأساسى الذى تركه جمال عبدالناصر، وهى نمط التنمية الحقيقية التى بدأها يوم ١٨ أكتوبر ١٩٥٢. أى أنه قبل انقضاء مائة يوم على قيام حركة الضباط الأحرار والتفاف الشعب حولها كان جمال عبدالناصر يقرأ دراسة جدوى ابتدائية عن مشروع السد العالى،

ثم كلف مجموعة من مهندسى الجيش المصرى، ومهندسى وزارة الرى، وأساتذة الجامعات من مختلف التخصصات لاستكمال الدراسة؛ لم يكلف بيت الخبرة ماكينزى أو بوزآلن كما يحدث الآن، فقد اعتبر السد العالى أهم مشروع تنموى فى مصر- وهو ما تأكد فى بدايات القرن الواحد والعشرين عندما اختارت المؤسسات العالمية المتخصصة السد العالى بوصفه مشروع القرن العشرين الأكثر خدمة للبشرية.

وبالرغم من امتناع البنك الدولى عن تمويل المشروع، ووقوف الولايات المتحدة والغرب صفاً واحداً ضده، لم يخضع الزعيم، ولم يهادن، ولم يردد عبارات الاستسلام الاستنكارية على شاكلة «هل سأحارب أمريكا؟» أو «كل أوراق اللعبة فى يد أمريكا»، بل استمر فى المشروع من أجل الشعب، واستمد قوته من عظمة وسمو الهدف، رغم الحرب الشعواء التى صوبت أسلحتها إليه، فاستطاع أن يكمل مسيرته وكان الشعب هو مصدر استقوائه.

إن المتابع لحركة وتطور الثورات فى العالم يرصد غالباً تفرغ الثوار خلال السنوات الأولى لترسيخ قواعد الحكم والسيطرة، وتأجيل مشروعات التنمية حتى يتم الاستقرار السياسى خوفاً من سقوط الثورة. أما فى الحالة المصرية فقد تبلور إصرار الزعيم على بناء السد العالى، كقاطرة للتنمية الزراعية، والصناعية، والبشرية، سابقاً للتخطيط لترسيخ السلطة. هذا رغم كل ما تبعه من عواقب مصيرية، ونتائج إستراتيجية، كان من أبرزها التوجه نحو الشرق، وتأميم قناة السويس، وعدوان ١٩٥٦. كان يعلم جيداً أن فشل المشروع هو فشل نظامه بالكامل، ومع ذلك آثر المضى فيه وفى التنمية، وهو يعلم أنه يهدد بقاءه، أى أنه قدّم، وبوضوح، مصلحة الشعب على مصلحة حكم حركة الضباط الأحرار.

كان مشروع السد العالى قاطرة التنمية فى مصر: هذه أبسط إجابة يمكن أن نرد بها على تساؤل «ماذا قدم السد العالى لمصر؟» كان مدرسة تخرج فيها أكفأ المهندسين الذين خدموا البلاد طوال الثلاثين عاماً اللاحقة، وكانوا أيضاً سفراء التنمية فى أفريقيا والبلاد العربية، ونشأت لأجله شركة المقاولين العرب، بالتزاوج الذى حققه عبدالناصر بين شركتى مصر للأسمنت المسلح وشركة المشروعات الهندسية (عثمان أحمد عثمان)،

كما ولدت له شركات هايدليكو وكهروميكا وإليجيكت. لم يكن السد العالى خزانا فقط، أو مجرد مشروع لتحويل مجرى النهر وإنشاء أكبر بحيرة صناعية فى العالم وتوليد الطاقة وزيادة الرقعة الزراعية، وإنما كان معملاً لتفريخ الكفاءات الهندسية التى تمكنت من حرفة صناعة الإنشاءات والسدود خارج مصر وداخلها، فصار لدينا جيل هندسى رفيع المستوى.

وليس هناك وجه للمقارنة بين السد العالى (١٩٧٠) من ناحية، وبين سدّى إسنا (١٩٩٠) ونجع حمادى (٢٠٠٨) من ناحية أخرى، فسدّا إسنا ونجع حمادى لا يصلان، معاً، لأكثر من ١٠% من حجم أعمال السد العالى أو صعوبتها، ومع ذلك عهد إلى شركة إيطالية بإنشاء الأول، وشركة فرنسية/ألمانية بإنشاء الثانى، وكان المصريون مجرد فواعلية فى المشروع، ولم يثمر أى من السدين خبرة هندسية ولم تولد منهما شركات عاملة فى هذا المجال كما حدث مع السد العالى، وسُجل هذان السدان كخبرة سابقة لمكاتب استشارية وشركات مقاولات أجنبية ولم تسجل خبرة تراكمية لمصر، والخبرة التراكمية هى أساس تصدير صناعة الإنشاءات.

وعلى طريق التنمية أيضاً، بدأ الزعيم جمال عبدالناصر مشروع الطاقة النووية فى إنشاص عام ١٩٥٨، بعد قيام الثورة بست سنوات، وبعد نحو عام كان مشروع الصواريخ المصرى قد بدأ على يد العلماء، والخبراء، والمهندسين، والعمال، (بالاستعانة بالخبرة الألمانية).

وكانت التنمية على أرض مصر مصدر إزعاج للآخرين، ففى زيارة لأحد المسؤولين الأمريكيين عند بداية الثورة، سُئل جمال عبدالناصر عن نواياه تجاه فلسطين المحتلة وإسرائيل، وكان رد عبدالناصر «نحن نركز على التنمية وليس هناك مجال الآن للتفكير فى إسرائيل...»، وتم نقل هذه الإجابة حرفياً إلى بن جوريون فأصيب بصدمة وأخذ يردد «هذا أسوأ ما سمعت»، فكان يعلم تماماً أن التنمية هى التقدم وهى القوة. ولكن التنمية الحقيقية القائمة على القدرة الذاتية، وليس على المعونات والخبراء الأجانب، هى التنمية التى ترفع قدرة أبناء هذا البلد، فيكون الناتج من أى مشروع ليس فقط تنمية أو تشكيل الحجر، وإنما فى الأساس تنمية البشر حيث الثروة الحقيقية.

كان عبدالناصر يعلم تماماً مدى أهمية التنمية الحقيقية، ولذلك جاء عصره بتنمية لم ترها مصر منذ أربعة آلاف سنة. وتوقفت بعد عام ١٩٦٧، ويجرى تدميرها بشكل ممنهج منذ عام ١٩٧٤.

فى عام ١٩٥٤ أنشئ معهد بحوث البناء برئاسة الدكتور عزيز يس، وفى ١٩٥٦بدأت أبحاث مشروع دراسة القرية المصرية الذى كانت تخطط له وترعاه وزارة الشؤون البلدية والقروية بقيادة الدكتور شفيق الصدر وعين لهذا الغرض الثلاثة الأوائل من خريجى أقسام عمارة ومدنى من كليات الهندسة الثلاث بالجامعات المصرية، وأعرف منهم صلاح حجاب، شيخ المعماريين وحامل مفاتيح وذاكرة الهندسة فى مصر والمنطقة.

وذهب شباب الخريجين لعمل مسح شامل للقرى موضوع البحث، وكان المهندسون حديثو التخرج يقيمون فى كل قرية، بالمركز الاجتماعى التابع للمجلس القومى للخدمات الذى رأسه الدكتور عزيز صدقى. وتم إعداد مشروع تنمية القرية المصرية، فبدأ فى عام ١٩٦١، بميزانية تصاعدية تصل إلى ٩٠ مليون جنيه فى السنة، وكانت الفترة التى يحتاجها المشروع ٣٠ سنة، أى ينتهى عام ١٩٩١. وتم عرض المشروع على هيئة الأمم المتحدة، وحاز التقدير والاعتماد - إلا أنه توقف عند حرب ١٩٦٧.

ويُذكر فى هذا السياق أن المركز القومى للبحوث، سنة ١٩٥٦، كان يضم قسماً للطاقة الشمسية فى استخداماتها المختلفة، وكان أحد مشروعاته إنتاج «راديو» يعمل بالطاقة الشمسية لكى تصل الإذاعة إلى كل قرية فى مصر، بل إلى الشعب العربى كله قبل وصول الكهرباء! هذا هو التنوير الذى تتطلبه التنمية بالقدرة الذاتية.

وتم أيضاً، إنشاء مصانع الراديو الترانزستور، وأيضاً أجهزة التليفزيون، فبدأ البث عام ١٩٦٠ فى كل بيت مصرى قادر على اقتناء التليفزيون، عن طريق أجهزة تليفزيون صناعة مصرية.

وبالتوازى بدأ عبدالناصر فى إنشاء شركة التعمير والمساكن الشعبية، برئاسة المهندس على نور الدين نصار، لتوفير سكن مناسب لمحدودى الدخل، كما أنشأ مطار القاهرة عام ١٩٥٨ بمسابقة معمارية علنية فاز بها المعماريان المصريان، صلاح زيتون، ومصطفى شوقى، وهو المبنى والمشروع الذى يحق لنا أن نفخر به، على العكس من مبانى المطار الجديد التى قامت بتشييدها شركات هولندية وتركية بعد نصف قرن من مشروعنا الأصلى.

وكان مشروع مديرية التحرير، ذلك المشروع الزراعى العملاق، الذى تم توصيل مياه النيل إليه، وكانت تهدر فى البحر منذ قديم الأزل، ومشروع الوادى الجديد الذى اعتمد على المياه الجوفية. وبدون أصوات زاعقة، أو إعلام متصنع، بدأت الهيئة العامة لتعمير الصحارى، التى أنشئت عام ١٩٥٧، العمل فى الوادى الجديد، وكان يخطط لها الدكتور أحمد أمين مختار، رئيس قسم التخطيط بجامعة الأزهر،

بينما شكل لواء من سلاح المهندسين بالجيش المصرى السواعد التى قامت ببناء مجموعة كبيرة من القرى فى الوادى الجديد، وما زال بيننا المهندس القدير، حسين إدريس، الذى قضى شبابه شاهداً على هذه الملحمة. وتم فى نفس الوقت بناء مجموعات من القرى، فى عدد من المحافظات، أتذكر منها قرية أبيس جنوب الإسكندرية، وقرية كوتا على طريق الفيوم.. وغيرهما.

كانت هناك حقيقة مؤكدة وهى أن ٧٠% من سكان مصر هم أهل ريف، وبالتالى كان لا بد من الاهتمام بهم وبناء قرى جديدة لهم قبل الاهتمام بتشييد مدن جديدة، فالـ٧٠% أولى بالرعاية والاهتمام من الـ ٣٠%. وظنى أنه لو استمر مشروع تنمية وبناء القرى هذا لكانت مدن مصر اليوم بدون العشوائيات التى يسكنها النازحون والناتجة عن إهمال الريف.

لم يكن الاهتمام ببناء القرى الجديدة هو مجمل اهتمام ثورة يوليو فى إطار خطة التنمية العمرانية والسكنية، وإنما كان هناك بالتوازى عدة مشروعات لبناء مساكن للعمال بالمناطق الصناعية، ومنها إسكان العمال فى إمبابة، وإسكان العمال فى حلوان، وإسكان شركة كيما، وغيرها من مساكن العمال بالمحلة الكبرى، وكفر الدوار، وكافة المناطق العمالية فى مصر، وإسكان الطبقات الوسطى مثل إسكان زينهم، والبالون، وجسر السويس (الألف مسكن)، وكان هناك أيضاً مشروعات تنمية عمرانية سكنية فى مدينة نصر والمقطم والمعادى والمنتزه والمعمورة.

سعى عبدالناصر فى طريق التنمية الشاملة، أى التنمية العمرانية والزراعية والصناعية، فأنشأ مصانع الحديد والصلب، ومجمع الألومنيوم بنجع حمادى، ومصانع الأسمدة، والأسمنت، والغزل والنسيج، والكيماويات. وتم رصد كل ذلك وعرضه على الشعب المصرى من خلال مجلة «بناء الوطن» الشهرية، وعبر عنه صلاح جاهين فى حينه قال «مكن مكن مكن.. كلنا عاوزين مكن»، وكل ذلك بالقدرات الذاتية: اعتمد على التمويل الذاتى لمعظم المشروعات، كما اعتمد على خبرات أهل البلد ليحقق التنمية البشرية ضمن ما حققه.

ووسط هذا الزخم كان عبدالناصر ناصراً للحركات الوطنية التحررية بالوطن العربى، وأفريقيا، بل وأمريكا اللاتينية، ونصيراًَ لكل الشعوب النامية، وكان مناراً للتنمية والتقدم فى آسيا. أكثر من أربعين حركة وطنية تحررية كان لها ملاذا آمنا، وصدرا حنونا، ودعما، فى القاهرة، وتحديداً فيلا رقم «٥» شارع أحمد حشمت بالزمالك.

نيلسون منديلا، مثلاً، نام على مرتبة على الأرض فى هذه الفيلا، وقدمت مصر كل أشكال الدعم للثوار وقادة حركات الاستقلال، فكانت هناك ٤٥ إذاعة موجهة لأفريقيا باللغات المحلية، ولم ينس عبدالناصر الأهمية الاستراتيجية لحوض النيل، حيث واصل دعم دول الحوض بمختلف الأشكال،

وأنشأ شركة النصر للاستيراد والتصدير فأصبح لها ٢٥ فرعاً فى خدمة التنمية، وذهب مهندسو مصر للتعمير فى هذه البلاد. واستحضر فى هذا السياق، مقولة المهندس المعمارى البارع، رمزى عمر، أحد جنود مصر البواسل فى معركة تنمية القارة السمراء وتعميرها، الذى يؤكد أن أعلى مبنى فى كل عاصمة أفريقية عمرّها كان بالضرورة بناءً مصرياً خالصاً.

وذهب أيضاً المعمارى مصطفى شوقى، مسلحاً بخبرة مطار القاهرة، ليشيد أكبر وأعلى مبنى فى الجزائر العاصمة، والذى ما زال هو أهم وأكبر فندق، وتم إنشاؤه بعد الاستقلال مباشرة فكان نموذجا لتنمية عبدالناصر خارج البلاد. هل يعلم المصريون أن الجامعة الوحيدة فى كوناكرى، عاصمة غينيا، هى جامعة جمال عبدالناصر؟ وهل يعلم المصريون أن فرنسا أرسلت وفداُ عالى المستوى إلى جمال عبدالناصر خوفاً لتراجع نفوذهم فى أفريقيا وازدياد نفوذ مصر؟ ووراء كل هذا دعم عبدالناصر للتنمية فى أفريقيا.

لقد طرق الزعيم جمال عبدالناصر كل أبواب التنمية، فشرع فى برنامج الصواريخ وانتهى من إنشاء مصنع متكامل لهذا البرنامج، يضم نحو ١٠٠٠ مهندس وعالم وفنى، وأنشأ برنامج تصنيع الطائرات بين مصر والهند، وكان نصيب مصر فى هذا البرنامج هو تصنيع الموتور (وهو الجزء الأصعب)، ودعم أقسام هندسة الطيران والطاقة النووية فى كليات الهندسة فى الجامعات المصرية.

كل هذه الخواطر والذكريات مرت أمامى وأنا أزور قبر الزعيم، حيث كانت جموع المواطنين المحتشدة، معظمهم جاء الدنيا بعد رحيل عبدالناصر. شدت انتباهى سيدة فى منتصف الثلاثينيات من العمر، تحمل طفلاً لم يتجاوز عامه الثالث، دخلت إلى القاعة الكبرى مع كبار الزوار، كما لفت نظرى أيضاً رجل أربعينى جلس القرفصاء أمام القبر، أخذ ينادى «اصحى يا عبدالناصر». ولو صحى عبدالناصر اليوم لمات بالحسرة عشرات المرات إذا شاهد معنا بيع المصانع التى أنشأها، والتى كُهِن مكنها، وطُرد عمالها، ثم بيعت أرضها عقاراً وهُرّبت أموالها.

وإذا شاهد معنا عمليات منح أراضى الدولة للمحظوظين والأقرباء، ثم بيعها للأجانب، وتصدير الأموال للخارج. وإذا رأى انتشار أمراض الكبد والكلى والسرطان والأنيميا والاكتئاب، وأزمات القمح والطاقة والغلاء. بالإضافة إلى الظواهر الاجتماعية المرضية من انتحار وقتل الآباء والأبناء وزنى المحارم وأطفال الشوارع وسكان العشوائيات والقبور.

عدت لأسأل نفسى هل كان الزعيم جمال عبدالناصر سيفرح بمطار القاهرة الجديد الذى بناه الأتراك وصممه الهولنديون وأشرف على تنفيذه اللبنانيون؟ ونحن المصريين نكتفى بأن نكون ركاباً فى صالات السفر والوصول؟ هل كان سيفرح أن مترو أنفاق القاهرة، الذى بدأت دراسته على يد الدكتور على صبرى، أستاذ ميكانيكا التربة والأساسات عام ١٩٥٧، علاقتنا به هى أيضاً علاقة المستخدم؟ وأن تصميم وتنفيذ مراحله الثلاث كانا بأيادٍ أوروبية؟ بل ومعظم تمويله أيضاً من الخارج؟

بنى عبدالناصر، على أطراف القاهرة سنة ١٩٦١، أرضاً للمعارض، بديلاً عن أرض المعارض بالجزيرة، وكان هذا عن طريق مسابقة معمارية معلنة، فاز بها الدكتور عبدالباقى إبراهيم والدكتور يحيى الزينى والدكتور فؤاد الفرماوى.

أما اليوم، فيراد ضم هذا المشروع إلى قاعة المؤتمرات التى شيدها الصينيون، من خلال مسابقة معمارية سرية، لم يعلن عنها، ولم يدخل فيها مصرى بكيانه، والغريب أن الجهة التى أدارت هذه العملية هى نفس الجهة المسؤولة عن التنافسية ومحاربة الاحتكار والشفافية، وسوف يزرع هذا المشروع قنبلة زحام مرورية فى قلب القاهرة.

هل سيفرح جمال عبدالناصر حين يعرف أن مصر تسير فى طابور «للخلف در»؟

كان جمال عبدالناصر يستعين بأهل الخبرة، فلم يكن مصطفى خليل وزيراً للنقل وهو فى الثلاثينيات من عمره إلا لأنه كان كفئا لهذا المنصب، لم يكن عسكرياً ولم يكن من الضباط الأحرار، وكذلك الدكتور عزيز صدقى، والمهندس صدقى سليمان وحلمى السعيد وعزيز يس ومحمود أمين عبدالحافظ.. كلهم كانوا من الأكفاء الدارسين.

وكذلك لم يكن وقوف عبدالناصر لمدة ١٠ ساعات كل يوم عيد علم لتكريم المتفوقين والمبدعين واحداً تلو الآخر سوى احترام للعلم والعلماء، احتراماً من النظام بالكامل، النظام الذى عمل من أجل صالح الشعب، وليس نظام تجارة الأراضى وتسقيعها والاعتماد على الأجانب فى كل شىء حتى برامج تحديد النسل وتطوير التليفزيون - فهل يعقل أن التليفزيون الذى بدأه عبدالناصر بالكفاءات المصرية عام ١٩٦٠، يؤتى بشركات أجنبية لتطويره عام ٢٠٠٦؟ وليته تطور!!

عدت ثانية إلى حيث أقف.

مات عبدالناصر ولن يعود ثانية. ولكنى أتوقع أن تتحول أفكاره وأسلوبه فى التنمية إلى رسالة تؤمن بها الدول النامية، بعيداً عن البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، وأن تتحول كلمات صلاح جاهين، التى أنشدها عبدالحليم حافظ «من أموالنا بإيد عمالنا» إلى شعار لتحقيق التنمية المنشودة، التنمية الحقيقية المستدامة.

خلا بنا نظام عبدالناصر فى جوانب الحرية الشخصية وزوار الفجر والتعذيب فى السجون.. والعزاء الوحيد أن هذا النظام السلطوى أنشئ لخدمة برنامج قومى للتنمية الحقيقية، وقد ضُرب البرنامج التنموى فى عام ١٩٦٧ بخطة محكمة من الغرب وبتنفيذ إسرائيل، ثم ألغى هذا البرنامج تماماً منذ ١٩٧٤، بل تحول مسار البلد إلى العكس، ولكن وللأسف الشديد، استمر النظام السلطوى، استمر لخدمة برنامج آخر معاكس تماماً لبرنامج عبدالناصر التنموى.

لم ينجح الغرب مع عبدالناصر (كما نجح مع محمد على سنة ١٨٤٠) فى إيقاف التنمية والتوسع مقابل توريث الحكم لأبناء الحاكم، فكان لا بد من ضربه هو ونظامه فى ١٩٦٧، فانتهت التنمية الحقيقية واستمر النظام السلطوى بدون عائد.

فى طريق عودتى، لم أجد زجاجة لبن «مصر للألبان» ولا شيكولاتة «بيمبو»، فقد تم إغلاق محل «استرا» بميدان التحرير واحتل مكانه «أمريكانا».

لكنى، وأنا أقف عند قبر الزعيم، والخواطر تذهب وتجىء فى ذهنى ووجدانى، وجدتنى أقول: كفانا بكاء على الحليب المسكوب، ولنقم بدورنا فى بناء التنمية من جديد، التنمية بأسلوب عبدالناصر، وبأسلوب طلعت حرب. وقفت عند قبر عبدالناصر وتأملت: ماذا لو أنشأنا مشروعاً أهلياً للاستثمار والتنمية، يبدأ من الشعب ويعود إلى الشعب؟



الاثنين، 27 سبتمبر 2010

لا للأمن ورجال الدين! - سلامة أحمد سلامة - مقالات وأعمدة - جريدة الشروق

لا للأمن ورجال الدين! - سلامة أحمد سلامة - مقالات وأعمدة - جريدة الشروق

لا للأمن ورجال الدين!

يشتد اعتقادى يوما بعد يوم بأن هناك من يصب عن عمد الزيت على نيران الاحتقان الطائفى ليزداد لهيبها ويشغل الناس عن عظائم الأمور ورؤية المستقبل.. سواء فى المظاهرات المتكررة بدون معنى تطالب بالإفراج عن كاميليا شحاتة زوجة كاهن دير مواس، التى ترددت شائعات عن احتجازها داخل الكنيسة لأنها أسلمت. أو فى الهرطقة التى أثارها الأنبا بيشوى سكرتير المجمع المقدس بتصريحاته، وتحدث فيها عن آيات أدخلت على القرآن بعد وفاة الرسول.

هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن ثمة قوى منظمة تعمل على تحريك المشاعر بين البسطاء فى اتجاه بعيد عن السياسة وعن مشكلات الحياة اليومية وغلاء المعيشة وقضايا التوريث والانتخابات البرلمانية وطبخها لحساب قوى سياسية وشخصيات قيادية معينة.. ولذلك لابد أن تظل قضايا كاميليا ووفاء قسطنطين وغيرهما، وأى قضية حب غبية بين قبطى ومسلمة أو العكس متوهجة فى عيون الرأى العام. تحرك البغضاء بين المسلمين والمسيحيين، وتشغل الناس العاديين حتى عن أنفسهم وعن معاشهم ومشكلات حياتهم اليومية، وتطلعهم إلى تغيير واقعهم المرير أو بحثهم عن المستقبل.

لا أحد يعرف على وجه اليقين من يحرك ألفا أو ألفين فى الشارع للتظاهر عقب صلاة الجمعة كل أسبوع فى الإسكندرية للمطالبة بالكشف عن مكان كاميليا ومطالبة البابا والمفتى وشيخ الأزهر بالتدخل.. من هم هؤلاء الذين يهمهم مصير كاميليا أسلمت أو لم تسلم، وإذا كانت محتجزة أو غير محتجزة؟! إن قوات الأمن تعتقل عشرات من المواطنين كل يوم فى المظاهرات التى تطالب بالحرية وبانتخابات نزيهة أو بالكشف عن خطط التوريث ولا أحد يحتج أو يتظاهر للإفراج عنهم. ولا يتدخل الأمن ولا يسلط بلطجيته وقوات الشغب لفض مظاهرات كاميليا بل يقف حارسا أمينا لهذه المظاهرات، على عكس ما وقع فى حالة الشاب السكندرى خالد سعيد الذى أزهقت روحه ضربا على يد البوليس.

أما تصريحات الأنبا بيشوى فقد جاءت فى غير مكانها وغير زمانها. وعبرت عن آراء قديمة متهالكة حول من كان الأول والأقدم فى مصر؟ الأقباط؟ أم المسلمين الذين جاءوا ضيوفا على الأقباط؟ وتطورت المناقشات إلى جدليات لاهوتية لا معنى لها ولا تهم غير أصحابها. ورد عليها الدكتور سليم العوا. وكان المفروض أن يقف الجدل عند هذا الحد ولا يخرج عن نطاق أهل العلم من الجانبين.

وكان هذا الموقف العاقل هو الذى التزم به العوا فآثر الصمت وعدم الدخول فى لجج ولغو يضر بعقائد البسطاء من الناس، ويوقع الفتنة بين أبناء الشعب المصرى ويثير الموتورين والمسحوقين فى دروب الحياة المختلفة.

يتساءل الكثيرون: من يتحمل مسئولية إثارة هذا الجدل والخروج به إلى حد الشطط، مع أنه لا يهم غير الذين اجترحوه وقالوا وعادوا وزادوا فيه؟ هل هى الكنيسة؟ هل هو الأزهر ورجاله؟ هل هم رجال الدين من الطرفين؟ ومن الذى يهمه ألا تخمد نيران الفتنة التى تحولت إلى نفثات غضب مكبوت ينفلت فى كل مناسبة حتى مباريات الكرة؟!

كثير من أسباب هذه الفتن يتحمل مسئوليتها رجال الدين من الطرفين مسلمين ومسيحيين. ولا شك فى أن الظهور المفرط لرجال الدين فى مناسبات سياسية واجتماعية ودينية مختلفة، بتشجيع من الأمن الذى يستثمر نفوذ رجال الدين فى تحقيق أهداف سياسية وأمنية، قد خلق حالة من التماهى والتنافس على النفوذ خصوصا فى القرى والأقاليم، جعل حل المنازعات الطائفية فى يد البوليس أحيانا أو فى يد رجل الدين أحيانا أخرى أو فى التحالف القائم بينهما فى معظم الأحيان.. وهو ما أفرغ مفهوم الدولة المدنية من مضمونه. وجعل سلطان القانون والنظام العام هو آخر ما يمكن التفكير فيه أو اللجوء إليه، ليحل محله لقاء الشيخ والقسيس أو مندوب الحزب الوطنى والمطران. أى أن الدولة غابت وانزوت تاركة حل كثير من المشكلات المستعصية للمواءمات والمساومات المحلية التى تجعل المحافظ أو مدير الأمن هو صاحب الأمر والنهى لإطفاء الفتنة. ويوضع القانون على الرف إلى حين ميسرة، أى إلى أن تنفجر مشكلة أخرى!

فى اعتقادى أن مشكلات الاحتقان الطائفى لا ينبغى أن تترك لرجال الدين ولا لرجال الأمن ولكن لسيف القانون وحكمه. وبغير ذلك لن ينتهى هذا المسلسل البغيض!

الاثنين، 20 سبتمبر 2010

القمص عبدالمسيح بسيط يكتب: الكنيسة ليست امبراطورية ولا تلوي ذراع الحكومة | الدستور

القمص عبدالمسيح بسيط يكتب: الكنيسة ليست امبراطورية ولا تلوي ذراع الحكومة

سادت الفترة الأخيرة اضطرابات وقلاقل ومظاهرات تندد بالمسيحيين والكنيسة وقداسة البابا شنودة الثالث بسبب ما أشيع عن إسلام السيدة كاميليا شحاتة زوجة كاهن دير مواس والتي تركت بيتها وزوجها وذهبت إلي مكان ما عند بعض أقاربها ثم أعادها الأمن إلي أسرتها والتي أودعتها إحدي الكنائس بالقاهرة لتقضي فترة خلوة إلي أن تحل مشاكلها مع زوجها الكاهن. ثم فوجئنا منذ أيام قليلة بحوار يجري في قناة الجزيرة بين المذيع الأستاذ أحمد منصور والدكتور سليم العوا العالم الإسلامي المعروف والرئيس السابق لهيئة علماء المسلمين في العالم والقانوني المخضرم وقد كان هذا الحوار متحاملاً جدا علي الكنيسة ويؤدي إلي إثارة الفتنة الطائفية بل ويدعو صراحة بالثورة ضد الدولة والتي وصفها بالمتخاذلة، والكنيسة التي وصفاها بأنها صارت إمبراطورية داخل الدولة وأنها تلوي ذراع الحكومة الضعيفة المتخاذلة ولا تطبق قوانين الدولة، وكان هذا الحوار، الذي امتلأ بالمبالغات والتحريض ضد الأقباط ونشر الكثير من الادعاءات والافتراضات غير الصحيحة والمبنية علي هوي المتكلمين وأهدافهما السياسية الشخصية، مستفزا جدا للمسيحيين ومثيرا جدا للمسلمين. وهنا سنناقش بعضاً مما جاء في هذا الحوار بهدوء وواقعية. ونوضح حقيقة ما جاء فيه من اتهامات موجهة ضد الكنيسة والمسيحيين.

الأمن يعرف دبة النملة

من أخطر الاتهامات التي وجهها الدكتور سليم العوا هي القول بأن المسيحيين جعلوا من الكنائس والأديرة مخازن للسلاح وهم يقومون بتخزينه استعداداً ليوم يحاربون فيه المسلمين!! وهذا الاتهام خطير جدا لما يحويه من دلالات خطيرة، وكنا نتوقع من الدكتور سليم لعوا وهو العالم الكبير ورجل القانون أن يتحري الدقة في كلامه أو يقدم الأدلة والبراهين علي كلامه، إن كانت لديه مثل هذه البراهين، ولا يقول مجرد كلام مرسل خطير جدا لا دليل عليه!! فهذا الكلام سبق ترديده وسبق إثبات بطلانه من قبل. وهنا نسأل الجميع؛ كيف تخزن الأسلحة في الأديرة والكنائس، مكان العبادة وهي المحاطة برجال الأمن حولها وعلي بابها والمكدسة برجالهم وعيونهم داخلها، ونحن نعرف أن الأمن يعرف دبة النملة وله رجاله وعيونه في كل مكان مهما كان، فيقف أمام باب كل كنيسة مجموعة من الجنود والمخبرين ويمر عليهم طوال اليوم قادتهم الضباط مرات كثيرة وذلك غير رجالهم الموجودين داخل الكنيسة ذاتها. ونظرا لأن الأديرة توجد في الصحراء فيوجد أمام باب كل دير وحوله فصيلة من الجنود والمخبرين والضباط الذين يعرفون دبة النملة داخل كل دير وخارجه؟ والغريب بل والأغرب أن الدكتور راح يروج لخبر غير صحيح، روجته بعض الصحف دون ترو وقد نفاه القاضي، وكذبته جريدت الأهرام والأخبار يقول بأن ابن كاهن يملك سفينة محملة بالسلاح وقادمة من إسرائيل وذلك لتخزينها في مطرانية بورسعيد!! وكنا نتوقع من العالم ورجل القانون أن يبذل قليلاً من الجهد ويتحري صحة هذا الكلام قبل أن يتكلم فيه، ولكن للأسف لم يفعل، بل واتخذ من ذلك دليلا علي أن الكنائس تجلب السلاح وتخزنه!! فما حقيقة هذا الأمر كما هو موجود بملفات النيابة؟ الحقيقة تقول الآتي: أن السفينة المزعومة قادمة من الصين وليس من إسرائيل، كما أن ابن الكاهن لا يملك سفينة من الأساس، ولا يوجد أي سلاح علي الإطلاق في القضية بل إنه وصل علي السفينة الصينية كونتينر تُرك في الميناء قبل يوم 11/8/ 2010 لمدة 18 يوماً ولم يستلمه أحد بعد، وتقول بوليصة الشحن الخاصة بهذا بالكونتينرto order وهذا يعني في عرف الجمارك أن حامل البوليصة هو صاحب الكونتينر بمحتواه، ثم وصلت أحد ضباط بورسعيد إخباريه تقول إن ما بالكونتينر يخص جوزيف بطرس الجبلاوي. فشكل لجنة قامت بفتح الكونتينر فوجد فيه ست عشرة كرتونة تحتوي علي لعب أطفال وبمب وصواريخ لعب أطفال، الغريب أنه مكتوب علي الكراتين أن صاحبها هو طارق عبد اللطيف صاحب شركة الريناد والذي، كما يقول محامي جوزيف، أنه لم يسأل حتي الآن!! وبقية الكونتينر عبارة عن أدوات مكتبية (ترابيزات كمبيوتر). فطلبوا من مستخلص بالجمرك يدعي أسامة زخاري، طلبوا منه أن يخلص علي البضاعة وأن يتوسط بين جوزيف بطرس الجبلاوي وصاحب البضاعة منصف رشدي فرفض ثم قبض عليه وعرض علي النيابة التي أمرت بحبسه أربعة أيام وأفرج عنه قاضي التجديدات، ثم قبضوا علي جوزيف بطرس الذي أنكر أن له صلة بهذه البضاعة فقالوا له إن لك صلة بأسامة زخاري فأنكر ذلك فأمرت النيابة بحبسه أربعة أيام ولكن قاضي التجديدات أفرج عنه وأخلي سبيله فاستأنفت النيابة إخلاء السبيل ثم أخلي سبيله. وفي يوم 15/8 أصدروا له قرار اعتقال ولما سأل محاميه عن السبب وهو لواء سابق بالشرطة قالوا له إن جريدة «اليوم السابع» أثارت الرأي العام ضدنا فاتخذنا هذا الإجراء!! والغريب أن بوليصة الشحن مكتوب فيها لأمر ثم اسم أسامة فاروق زخاري ومصطف كامل، كما أن الاتهام الموجه من النيابة العامة هو «جريمة تهرب جمركي طبقاً للقانون رقم 75 لسنة 1980م». إذا ليس هناك دليل علي وجود سفينة إسرائيلية ولا علي وجود سلاح أو متفجرات من الأساس!! بل مجرد جريمة تهرب جمركي.

الاستشهاد في المسيحية لا يعني الحرب

اتخذ الدكتور من قول نيافة الأنبا بيشوي أننا علي استعداد للاستشهاد من أجل كنائسنا دليلا علي أن الاستشهاد لا يكون إلا في حالة الحرب، وهذا يعني أنه يلوح بالحرب واستخدام السلاح!! وهنا نقول له يا سيادة الدكتور والقانوني المخضرم وأنت تعرف الكثير عن المصطلحات المسيحية أن تعبير الاستشهاد في المسيحية هو التمسك بالإيمان والدفاع عنه بالكلمة حتي الموت ليس بالسلاح ولكن بالكلمة، والشهداء المسيحيون عبر التاريخ، خاصة الأقباط، كانوا يضطهدون ويستشهدون في الاضطهاد بسبب إيمانهم.

وفاء قسطنطين قالت: سأموت مسيحية

كرر الدكتور في الكثير من لقاءاته الكلام عن السيدة وفاء قسطنطين معتبرا إياها أسيرة لدي الكنيسة وتعذب بسبب اعتناقها للإسلام علما بأن الجميع يعرف أنها بعد جلستها مع لجنة النصح والإرشاد التي تمت تحت أشراف الشرطة وبسماح منه قررت أمام النيابة أنها ولدت مسيحية وستعيش مسيحية وستموت مسيحية ولو كانت تؤمن بعكس ذلك لكانت قد احتمت بالنيابة وتمسكت بما تؤمن به، ولم يكن أحد يجرؤ أن يتخذ ضدها أي شيء. وهذا ما أكده النائب العام والمحكمة عندما تقدم البعض ببلاغات للنائب العام ورفعوا قضايا في هذا الأمر. ويقول نيافة الأنبا بيشوي» وفاء كان عندها بعض المشاكل ولجأت للأمن وليس للأزهر، وقالت للضباط «أنا عايزة أكون مسلمة»، فالأمن اتصل بنيافة الأنبا باخميوس بمطرانية البحيرة، وطلب - طبقاً للقرار الوزاري - أن نعطيها بعض جلسات النصح حتي يتأكدوا من صدق نيتها في الإسلام، واتفقنا علي أن تقيم في مكان محايد تحت حراسة الأمن، فاخترنا فيلا النعام بالزيتون وهي ملك الكنيسة لكن تم تسليمها للأمن ووُضعت تحت حراسة مشددة، وكنت أذهب لمقابلة وفاء مع نيافة الأنبا موسي ونيافة الأنبا آرميا، وندخل لها بتصريح من الأمن، لنجيب عن تساؤلاتها «، ويضيف « ولماذا أخطفها أو أقتلها أو حتي أعذبها وهي قالت أمام النيابة إنها مسيحية وستموت مسيحية، وكانت الفرصة كاملة أمامها لتقول ما شاءت أو تطلب حماية النيابة، لكن ما حدث أنها أعلنت بشجاعة أنها مسيحية، والكنيسة تسلمتها من النيابة ونقلتها لمكان أمين لحمايتها، لأننا خائفون عليها من بعض الناس الذين يمكن أن يتهموها بالارتداد عن الإسلام، أو يقتلوها، ولو كانت أصرت علي اعتناق الإسلام، لأخذتها من يدها وذهبت بها إلي الأزهر.. ماذا أفعل بها لو لم تكن المسيحية في قلبها؟.

«كما كرر الدكتور الحديث عن السيدة ماري عبد الله زوجة كاهن الزاوية الحمراء وقال إنها اعتنقت الإسلام ومحبوسة مع وفاء قسطنطين!! وهنا نؤكد لسيادته وللجميع أنه حدثت خلافات شديدة بينها وبين زوجها وقامت الكنيسة عن طريق نيافة الأنبا بيشوي برعايتها روحيا وهي موجودة بشقتها مع أولادها في القاهرة بالقرب من الكاتدرائية وتعيش حياتها بشكل عادي وطبيعي وتضع كل اهتمامها في تعليم أولادها بالمدارس ورعايتهم في دراستهم.

البابا لا يتحدي الدولة

دكتور مثل الكثيرين أن البابا يتحدي الدولة ويرفض تطبيق القرارات التي تصدرها المحكمة والمخالفة للتقليد الكنسي وذلك دون توضيح وجهة نظر قداسة البابا فقداسة البابا لم يتحدي القانون، بل طبق القانون في قضية الزواج الثاني الشهيرة عندما تقدم للمحكمة الدستورية بتظلم من حكم المحكمة الإدارية فأوقفت التنفيذ وكان اعتراض قداسة البابا هو أن هذا الحكم الذي يخالف شريعة الإنجيل وقد أيده في ذلك الغالبية العظمي من المسيحيين والكثيرين من المسلمين الذين رأوا أن من حق قداسته ألا يقبل أحكام تخالف الإنجيل. ولكنها تهمة تكررت كثيرا هذه الأيام لأهداف سياسية.

«تفسير متجنٍ»

تعلل الدكتور سليم بحديث نيافة الأنبا بيشوي عن الجزية وحلول العرب وقت دخول مصر كضيوف ورفضه أن يحكم أحد علي الكنائس والعقائد المسيحية من غير المسيحيين، وتصور أن نيافته يدعو إلي محاربة المسلمين، الضيوف، وطردهم من مصر، وهذا تفسير متجن لأن نيافته لم يقصد ذلك فالمسلمون عندما دخلوا مصر كانوا مجموعة من الجنود المسلمين ومع الوقت أخذ بعض المسيحيين في اعتناق الإسلام، وفي القرن الثاني عشر وما بعده بدأ يزداد عدد المتحولين إلي الإسلام حتي صاروا الأكثرية، وعلي الرغم من وجود بعض العائلات، سواء في الصعيد أو الوجه البحري تفتخر بنسبها العربي إلا أن الأكثرية هم من المصريين الذين دخلوا الإسلام. وعموما فهذه أمور حدثت من مئات السنين ولا يمكن تعديلها أو تغييرها وجميع الدول حدثت بها تغييرات من جهة تركيبة السكان وعقائدها وعلي سبيل المثال أمريكا التي كان يقطنها الهنود الحمر ثم دخلها الأوروبيون والمهاجرون من جميع البلاد علي مدي أكثر من خمسمائة سنة والذين غيروا تركيبتها السكانية وديانتها تماما. ومن ثم فالحديث عما كانت عليه البلاد في القديم لا يقدم ولا يؤخر، فالمسلمون الذين يعيشون في الغرب بالرغم من أن غالبيتهم مهاجرون إلي أمريكا وأوروبا فقد صارت لهم نفس حقوق الذين يعيشون في البلاد من قبل وفي أمريكا يتمتعون بحرية لا مثيل لها حتي في البلاد الإسلامية التي هاجروا منها وقد صرح مؤخراً رئيس رابطة كير للمسلمين في أمريكا أن المسلمين يتمتعون بحرية لا مثيل لها في كل البلاد الأخري بما فيها البلاد الإسلامية نفسها.

وفي النهاية نتمني من الجميع أن يتحروا الدقة في كل ما يقولونه وأن يتقوا الله في مصر وشعب مصر ومبارك شعب مصر.

- Sent using Google Toolbar"

الاثنين، 13 سبتمبر 2010

الأعلامى الطبيب د/ خالد منتصر

الأعلامى الطبيب د/ خالد منتصر: "
مسلسل «الجماعة» عرض لجماعة الإخوان المسلمين خالية من الأخوات المسلمات! كان المسلسل خالياً من تاء التأنيث فى تنظيم الإخوان، لأن حسن البنا كان له رأى سلبى فى مشاركة المرأة السياسية ودورها الاجتماعى. رأى البنا لم يكن يتناسب إطلاقاً مع حرية المرأة التى كانت قد اكتسبتها بعد ثورة ١٩١٩ واقتحامها مجالات التعليم والعمل بعد الثورة الاجتماعية التى واكبت ثورة ١٩ السياسية، كان استقلال الوطن حينذاك يسير متوازياً مع استقلال المرأة، لكن الإخوان كان لهم رأى آخر استمدوه من الفكر السلفى والوهابى ملخصه أن المرأة نصف إنسان.

تعالوا نتعرف على رأى المرشد العام حسن البنا فى دور المرأة الاجتماعى والسياسى من خلال كتاباته. رأى الشيخ حسن البنا فى دخول المرأة للبرلمان «يعتبر منح المرأة حق الانتخاب ثورة على الإسلام وثورة على الإنسانية، وكذلك يعتبر انتخاب المرأة ثورة على الإنسانية بنوعيها لمناقضته لما يجب أن تكون عليه المرأة بحسب تكوينها ومرتبتها فى الوجود، فانتخاب المرأة سبة فى النساء ونقص ترمى به الأنوثة» مجلة «الإخوان المسلمون» ٥ يوليو ١٩٤٧، ويقول أيضاً: «ما يريده دعاة التفرنج وأصحاب الهوى من حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة مردود عليهم بأن الرجال، وهم أكمل عقلاً من النساء، لم يحسنوا أداء هذا الحق، فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين» حسن البنا فى «حديث الثلاثاء» ص ٣٧٠.

المرأة عند الإخوان هى نصف إنسان تحمل جسدها عاراً متحركاً، والمفروض ألا تعمل لأنها تحرك الغرائز والجنس فى أى مكان توجد فيه، فحين طلب عميد كلية التجارة حمدى بك تعيين أربع طالبات فى وظائف الدولة، استنكرت مجلتهم «النذير» واستعملت الإيحاءات الجنسية فى ردها فقالت فى العدد ٢٠ بتاريخ ١٥ جمادى الأولى ١٣٥٨ ص ٢٣: «إن كل واحدة من هؤلاء المتخرجات إذا لم تعثر على الجليل فهى فى وظيفتها لن تعدم الخليل»!!

أما بالنسبة للملابس فرأى الإمام حسن البنا يؤكد أن النقاب هو الأساس فى الإسلام وهاجم شيخ الأزهر الذى أباح كشف الوجه والكفين فقال: «كشف وجه المرأة ويديها حرام إلا إذا أمنت الفتنة» «حديث الثلاثاء» ص ٣٦٩، وفى مجلة «الإخوان المسلمون» العدد ١٣ لسنة ١٩٤٤ يقدم مبرراً مدهشاً وعجيباً لتعدد الزوجات فيقول: «إن خيراً للمرأة وأقرب إلى العدالة الاجتماعية والإنصاف فى المجتمع أن تستمتع كل زوجة بربع رجل أو ثلثه أو نصفه من أن تستمتع زوجة واحدة برجل كامل وإلى جانبها واحدة أو اثنتان أو ثلاث لا يجدن شيئاً»!!

وعندما وجد حسن البنا أن المرأة ستبدأ فى الحصول على بعض المكاسب الاجتماعية، تحدث إلى مجلة «النذير» العدد ١٩ بتاريخ ٨ جمادى الأولى ١٣٥٨ هجرية غاضباً وقال: «اسمع يا محرر النذير، أحب أن ألفت نظرك ونظر قرائك إلى هذه الأحاديث النبوية الكريمة والنصائح المحمدية الغالية فإن فيها تبصرة وذكرى:١- ما تركت بعدى فتنة هى أضر على الرجال من النساء. ٢- الخمر جماع الإثم، والنساء حبائل الشيطان، وحب الدنيا رأس كل خطيئة. ٣- اتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت فى النساء. ٤- المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها فى قعر بيتها».

المرأة عند الإخوان ليست نصف المجتمع بل هى نصف إنسان، المرأة لم تظهر فى «الجماعة» لأن المسلسل لم يتحدث عن الجوارى!

السبت، 4 سبتمبر 2010

حشمت وأبو الفتوح: نعم لتولي المرأة والقبطي الرئاسة - شبكة فلسطين للحوار

حشمت وأبو الفتوح: نعم لتولي المرأة والقبطي الرئاسة - شبكة فلسطين للحوار:
قيبا على برنامج حزب الإخوان

تعقيبا على برنامج حزب الإخوان

حشمت وأبو الفتوح: نعم لتولي المرأة والقبطي الرئاسة

إيمان عبد المنعم - محمد بهاء




حشمت (يمين) وأبو الفتوح
القاهرة - أعرب القياديان البارزان بجماعة الإخوان المسلمين بمصر جمال حشمت ود. عبد المنعم أبو الفتوح عن تأييدهما لتولي المرأة وغير المسلم لرئاسة الجمهورية، خلافا لما أثير حول رفض البرنامج الحزبي للجماعة هاتين المسألتين. كما أعرب حشمت عن رفضه لما دعا إليه البرنامج بشان تشكيل هيئة لكبار العلماء تكون لها صلاحيات رقابية، فيما اكتفى أبو الفتوح بالتأكيد على أن البرنامج في صيغته النهائية يعطي هذه الهيئة صلاحيات محدودة.
ففي مقابلة مع إسلام أون لاين.نت، انتقد الدكتور جمال حشمت، القيادي الإخواني وعضو البرلمان السابق، بعض النقاط التي نص عليها البرنامج قائلا: ملاحظاتي على البرنامج تدور حول رفض الإخوان ترشيح المرأة وغير المسلم لرئاسة الجمهورية.

طالع أيضاً:
نص مقابلة إسلام أون لاين مع جمال حشمت
نص برنامج حزب الإخوان المسلمين
ترقبوا نص مقابلة إسلام أون لاين مع عبد المنعم أبو الفتوح
الأهلية السياسية للمرأة وصلاحيتها للولايات العامة

وأضاف قائلا: ما جاء في ولاية غير المسلم والمرأة، لا يناسب الواقع ولا الظروف التي نعيشها، ولا يناسب الدولة المدنية التي تحدث الإخوان عنها في مقدمة برنامجهم.

وتابع: الأغرب من ذلك أن الإخوان يتعاملون مع هذه القضايا كأنها ثابت من الثوابت، لا متغير من المتغيرات، وبالتالي فإن إعادة النظر فيما ذهب إليه البرنامج من الضروريات المهمة، حتى يتسنى التحاور حوله.

نهى الزيني..الأجدر

واعتبر أن ما نص عليه البرنامج بشأن هاتين القضيتين لا يتفق بحال من الأحوال مع مبدأ المواطنة، الذي يجعل الجميع متساوين، ويحق لهم الترشيح والانتخاب لأي منصب كان.. ومضى قائلا: فانتخاب امرأة كالمستشارة نهى الزيني - في رأيي - أولى وأعدل من انتخاب أحمد عز عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني (الحاكم).. كما أن هناك شخصيات قبطية تتمتع بمصداقية، وتمتاز بالعدالة، وبالتالي إذا ذهبت الأصوات لها فهو خير من أن تذهب لمسلمين كثيرين ظالمين، والمثال واضح في النظام المستبد والجاثم على صدورنا الآن.

وكانت المستشارة نهى الزيني - التي شاركت في الإشراف على الانتخابات البرلمانية عام 2005 - كشفت عن وقائع تزوير تمت ضد حشمت، مرشح جماعة الإخوان في تلك الانتخابات، لصالح الدكتور مصطفى الفقي، مرشح الحزب الوطني الحاكم في دائرة دمنهور، شمال القاهرة.

الرئاسة والولاية الكبرى

الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، عضو مكتب إرشاد الجماعة، توافق مع رأي حشمت بشأن إمكانية تولي المرأة وغير المسلم لرئاسة الجمهورية، لكنه أوضح أن ما تردد حول تمسك الجماعة بعدم تولي المرأة والقبطي رئاسة الجمهورية غير صحيح.

وقال في مقابلة مع إسلام أون لاين تنشر في وقت لاحق: إن ما ورد في البرنامج لم يكن على سبيل الدقة، فجماعة الإخوان استشارت كلا من فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والدكتور أحمد العسال مستشار رئيس الجامعة الإسلامية بإسلام آباد، اللذين أكدا على جواز ولاية المرأة لرئاسة الجمهورية، وأن هذا المنصب سلطة تنفيذية لا تدخل تحت بند الولاية الكبرى (الإمامة العظمى) التي يحرم الإسلام تولي المرأة إياها.

أما عن تولي القبطي أو غير المسلم الرئاسة فقال: الأمر يرجع فيه لاختيار الشعب؛ لأن عدم ترشيحه يناقض ما ورد في نفس البرنامج من حق المواطنة ومشروعنا نحو التوافق الوطني، معتبرا أن مصادرة الحق في الترشيح يعد مصادرة لرأي الشعب، ونحن لسنا أوصياء على رأي الشعب.

ويتعارض موقف حشمت وأبو الفتوح مع ما نص عليه البرنامج الحزبي للجماعة بشأن هاتين القضيتين (ولاية المرأة وغير المسلم)، حيث جاء فيه: إن الواجبات المفروضة على رئيس الدولة، وهو له مسئوليات في الولاية وقيادة الجيش، تعد من الواجبات التي لا تفرض على المرأة لأنها تتعارض مع طبيعة أدوارها الاجتماعية. كما ينص على أن رئيس الدولة أو رئيس الوزراء عليه واجبات تتعارض مع عقيدة غير المسلم؛ مما يجعله معفيا من القيام بهذه المهمة.

مجلس الفقهاء

وتعليقا على اقتراح البرنامج إنشاء هيئة لكبار العلماء تكون لها صلاحيات رقابية على الحكومة، قال حشمت منتقدا: إن إنشاء هذا المجلس (الهيئة) يمثل حيطة زائدة عن اللزوم، تفاجأ بها الجميع، ولم تطرح في المناقشات والحوارات الأولية أثناء التفكير في إعلان برنامج للجماعة يمثل وثيقة لها، ولذلك جاءت هذه المضامين صادمة، ولا تعبر بحال من الأحوال عن رأي عموم الإخوان وقواعدها التي حرمت من رؤية البرنامج أو التعليق على ما جاء فيه.

وأضاف قائلا: إنشاء مثل هذا المجلس يعتبر وسيلة لتشويه الدين وليس حفظه، وكان أولى بالجماعة أن تفعِّل مجمع البحوث الإسلامية، والذي يضم خيرة علماء مصر.

من جانبه، اكتفى د. أبو الفتوح بتوضيح أن دور الهيئة يقتصر على انتخاب شيخ الأزهر والرد على استفسارات المحكمة الدستورية العليا، دون أن يتبنى موقفا مؤيدا بصراحة لهذا المجلس.

وعن الموقف من قضية الاعتراف بإسرائيل، قال أبو الفتوح إن موقف الجماعة واضح وصريح في مسألة عدم الاعتراف بإسرائيل، متسائلا: كيف نعترف بمغتصب للأراضي الفلسطينية.

ودعا البرنامج الحزبي للجماعة إلى إعادة تشكيل هيئة كبار العلماء بالانتخاب وانتخاب شيخ الأزهر من أعضائها، ونص على ضرورة استشارة السلطة التشريعية للهيئة في أمورها المالية والإدارية. كما نص أيضا على ضرورة رجوع رئيس الدولة للهيئة في حال إقدامه على إصدار قوانين في غياب السلطة التشريعية


إيمان عبد المنعم - محمد بهاء




حشمت (يمين) وأبو الفتوح
القاهرة - أعرب القياديان البارزان بجماعة الإخوان المسلمين بمصر جمال حشمت ود. عبد المنعم أبو الفتوح عن تأييدهما لتولي المرأة وغير المسلم لرئاسة الجمهورية، خلافا لما أثير حول رفض البرنامج الحزبي للجماعة هاتين المسألتين. كما أعرب حشمت عن رفضه لما دعا إليه البرنامج بشان تشكيل هيئة لكبار العلماء تكون لها صلاحيات رقابية، فيما اكتفى أبو الفتوح بالتأكيد على أن البرنامج في صيغته النهائية يعطي هذه الهيئة صلاحيات محدودة.
ففي مقابلة مع إسلام أون لاين.نت، انتقد الدكتور جمال حشمت، القيادي الإخواني وعضو البرلمان السابق، بعض النقاط التي نص عليها البرنامج قائلا: ملاحظاتي على البرنامج تدور حول رفض الإخوان ترشيح المرأة وغير المسلم لرئاسة الجمهورية.

طالع أيضاً:
نص مقابلة إسلام أون لاين مع جمال حشمت
نص برنامج حزب الإخوان المسلمين
ترقبوا نص مقابلة إسلام أون لاين مع عبد المنعم أبو الفتوح
الأهلية السياسية للمرأة وصلاحيتها للولايات العامة

وأضاف قائلا: ما جاء في ولاية غير المسلم والمرأة، لا يناسب الواقع ولا الظروف التي نعيشها، ولا يناسب الدولة المدنية التي تحدث الإخوان عنها في مقدمة برنامجهم.

وتابع: الأغرب من ذلك أن الإخوان يتعاملون مع هذه القضايا كأنها ثابت من الثوابت، لا متغير من المتغيرات، وبالتالي فإن إعادة النظر فيما ذهب إليه البرنامج من الضروريات المهمة، حتى يتسنى التحاور حوله.

نهى الزيني..الأجدر

واعتبر أن ما نص عليه البرنامج بشأن هاتين القضيتين لا يتفق بحال من الأحوال مع مبدأ المواطنة، الذي يجعل الجميع متساوين، ويحق لهم الترشيح والانتخاب لأي منصب كان.. ومضى قائلا: فانتخاب امرأة كالمستشارة نهى الزيني - في رأيي - أولى وأعدل من انتخاب أحمد عز عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني (الحاكم).. كما أن هناك شخصيات قبطية تتمتع بمصداقية، وتمتاز بالعدالة، وبالتالي إذا ذهبت الأصوات لها فهو خير من أن تذهب لمسلمين كثيرين ظالمين، والمثال واضح في النظام المستبد والجاثم على صدورنا الآن.

وكانت المستشارة نهى الزيني - التي شاركت في الإشراف على الانتخابات البرلمانية عام 2005 - كشفت عن وقائع تزوير تمت ضد حشمت، مرشح جماعة الإخوان في تلك الانتخابات، لصالح الدكتور مصطفى الفقي، مرشح الحزب الوطني الحاكم في دائرة دمنهور، شمال القاهرة.

الرئاسة والولاية الكبرى

الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، عضو مكتب إرشاد الجماعة، توافق مع رأي حشمت بشأن إمكانية تولي المرأة وغير المسلم لرئاسة الجمهورية، لكنه أوضح أن ما تردد حول تمسك الجماعة بعدم تولي المرأة والقبطي رئاسة الجمهورية غير صحيح.

وقال في مقابلة مع إسلام أون لاين تنشر في وقت لاحق: إن ما ورد في البرنامج لم يكن على سبيل الدقة، فجماعة الإخوان استشارت كلا من فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والدكتور أحمد العسال مستشار رئيس الجامعة الإسلامية بإسلام آباد، اللذين أكدا على جواز ولاية المرأة لرئاسة الجمهورية، وأن هذا المنصب سلطة تنفيذية لا تدخل تحت بند الولاية الكبرى (الإمامة العظمى) التي يحرم الإسلام تولي المرأة إياها.

أما عن تولي القبطي أو غير المسلم الرئاسة فقال: الأمر يرجع فيه لاختيار الشعب؛ لأن عدم ترشيحه يناقض ما ورد في نفس البرنامج من حق المواطنة ومشروعنا نحو التوافق الوطني، معتبرا أن مصادرة الحق في الترشيح يعد مصادرة لرأي الشعب، ونحن لسنا أوصياء على رأي الشعب.

ويتعارض موقف حشمت وأبو الفتوح مع ما نص عليه البرنامج الحزبي للجماعة بشأن هاتين القضيتين (ولاية المرأة وغير المسلم)، حيث جاء فيه: إن الواجبات المفروضة على رئيس الدولة، وهو له مسئوليات في الولاية وقيادة الجيش، تعد من الواجبات التي لا تفرض على المرأة لأنها تتعارض مع طبيعة أدوارها الاجتماعية. كما ينص على أن رئيس الدولة أو رئيس الوزراء عليه واجبات تتعارض مع عقيدة غير المسلم؛ مما يجعله معفيا من القيام بهذه المهمة.

مجلس الفقهاء

وتعليقا على اقتراح البرنامج إنشاء هيئة لكبار العلماء تكون لها صلاحيات رقابية على الحكومة، قال حشمت منتقدا: إن إنشاء هذا المجلس (الهيئة) يمثل حيطة زائدة عن اللزوم، تفاجأ بها الجميع، ولم تطرح في المناقشات والحوارات الأولية أثناء التفكير في إعلان برنامج للجماعة يمثل وثيقة لها، ولذلك جاءت هذه المضامين صادمة، ولا تعبر بحال من الأحوال عن رأي عموم الإخوان وقواعدها التي حرمت من رؤية البرنامج أو التعليق على ما جاء فيه.

وأضاف قائلا: إنشاء مثل هذا المجلس يعتبر وسيلة لتشويه الدين وليس حفظه، وكان أولى بالجماعة أن تفعِّل مجمع البحوث الإسلامية، والذي يضم خيرة علماء مصر.

من جانبه، اكتفى د. أبو الفتوح بتوضيح أن دور الهيئة يقتصر على انتخاب شيخ الأزهر والرد على استفسارات المحكمة الدستورية العليا، دون أن يتبنى موقفا مؤيدا بصراحة لهذا المجلس.

وعن الموقف من قضية الاعتراف بإسرائيل، قال أبو الفتوح إن موقف الجماعة واضح وصريح في مسألة عدم الاعتراف بإسرائيل، متسائلا: كيف نعترف بمغتصب للأراضي الفلسطينية.

ودعا البرنامج الحزبي للجماعة إلى إعادة تشكيل هيئة كبار العلماء بالانتخاب وانتخاب شيخ الأزهر من أعضائها، ونص على ضرورة استشارة السلطة التشريعية للهيئة في أمورها المالية والإدارية. كما نص أيضا على ضرورة رجوع رئيس الدولة للهيئة في حال إقدامه على إصدار قوانين في غياب السلطة التشريعية

الجمعة، 3 سبتمبر 2010

شفاف الشرق الأوسط - جدل الأخوان المسلمين والدولة المصرية في الميزان الديموقراطي

شفاف الشرق الأوسط - جدل الأخوان المسلمين والدولة المصرية في الميزان الديموقراطي: "
"

تمر الخريطة السياسية المصرية الآن بمرحلة انتقال رجراجة وحرجة بكل ما يعنيه ذلك من فتح باب الاحتمالات على مصراعيه، ولا يمكن التغاضي خلال ذلك عن وزن جماعة الأخوان المسلمين كحقيقة سياسية. والغرض من هذا المقال محاولة استكشاف الأفق السياسي لدور الجماعة وتفاعله مع النظام السياسي المصري، واحتمالات التحول الديموقراطي في هذا الأفق.

لا تخلو نشأة الجماعة من غموض، وتسبب ذلك في تعدد التفسيرات حول ولادتها، ولا يخلو بعضها من الاعتماد على المقدمات الخفية أو ما يسمي بنظرية المؤامرة، ويعزلها البعض الأخر عن سياق التاريخ المصري الحديث ويخضعها بالتالي للفهم بالقطعة، وهو ما يقود بالتأكيد إلي تحليلات خاطئة في الحالتين.

تندرج نشأة الجماعة ضمن التاريخ الاجتماعي والسياسي لمصر منذ نهاية الدولة الحديثة الأولي التي أسسها محمد علي (1805-1880) وحتى نهاية الدولة الحديثة الثانية (1919-1952)، حيث خضع التطور الاجتماعي والسياسي طوال هذه العقود لصراع بين أنصار التحديث على أسس النهضة الأوروبية وفي القلب منها مبادئ الثورة الفرنسية، وبين معسكر تصور قسم منه أن خلاص الأمة من وهنها مرهون بالعودة إلي منابع الحضارة الإسلامية بما في ذلك استعادة الخلافة والقسم الآخر أعتمد على أفكار تتعلق بانتظار المخلص والزعيم الملهم، وهو منحي فاشي تماما إذا سلمنا أن الفاشية هي اختصار الوطن في فكرة واحدة أو في شخص واحد.

قاد المعسكر الأول حزب الأمة ومؤسسة أحمد لطفي السيد ثم الكيانات التي انبثقت منه مثل حزب الوفد والأحرار الدستوريين والطليعة الوفدية والتيارات الاشتراكية وجماعات سياسية واقتصادية وثقافية متعددة مثل كتلة إسماعيل صدقي الراعي الأول للرأسمالية المصرية واتحاد الصناعات وجماعة النهضة وجماعة الخبز والحرية وكانت قاعدة هذا المعسكر هي الطبقة الوسطي المتنامية في ظل الدولة المدنية والتجربة الليبرالية السياسية والاقتصادية، وكانت الفتائل الأولي لهذه الطبقة من الجاليات الأجنبية والمتمصرين والتجار والموظفين وخريجي المدارس العليا والجامعات الأوربية ورجال القضاء والأقباط من أهل المدن وبعض خريجي الأزهر الذين تمردوا على التعليم الديني بالإضافة إلي العائلات السياسية.

كان المعسكر التقليدي تحت قيادة الحزب الوطني وما خرج منه ودار في فلكه مثل جماعة الفريق عزيز المصري الذي كان مربيا للملك فاروق حين كان وليا للعهد، وجماعة علي ماهر ومصر الفتاة والإخوان والحرس الحديدي والضباط الأحرار، وكانت قاعدة هذا المعسكر هي الشرائح الاجتماعية التي عجزت عن المشاركة في التحديث أو عجز التحديث عن الوصول إليها ومن بينهم شرائح من سكان الريف والملكيات الزراعية الصغيرة وخريجي الأزهر والمدارس الدينية وفئات أخري مرتبكة ومشوشة وبعض الجماعات الطموحة سياسيا من المدنيين والعسكريين، وساند هذا التيار الملك فؤاد ومن بعده ابنه الملك فاروق وكانا يحلمان بوراثة الخلافة العثمانية. وفيما انعقد لواء قيادة المجتمع وتأسيس مشروع النهضة للمعسكر التحديثي، كانت الندوب والجروح النرجسية هي نصيب المعسكر التقليدي مما جعل الأشواق والأفكار المثالية تتغلب على أي تصور اجتماعي أو اقتصادي نتيجة انهيار الخلافة العثمانية وهزيمة كل محاولات تأسيس الجامعة الإسلامية على يد المؤامرات الأوروبية (من وجهة نظرهم)، وكانت بريطانيا (العظمي) هي القوة الأبرز بين الحلفاء الأوربيين وهي المحتلة لمصر. وفي حين راهن التحديثيون على انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، راهن التقليديون على انتصار ألمانيا النازية حليف العثمانيين في الحرب الأولي حتى أنهم هتفوا: "إلي الأمام يا روميل " وأطلقوا على قائد النازية: " الحاج محمد هتلر "، وهكذا اكتسب الصراع أبعادا اكبر خاصة مع تزايد التفاوت الاجتماعي بين المدن والريف وبين الطبقات وهو سمة الرأسمالية في مراحلها الأولي.

كانت للفردية والتكتم والكاريزما التي تميز بها الشيخ حسن البنا دورا في غموض نشأة الجماعة في مدينة الإسماعيلية في سنة 1928 ويلاحظ أنها مدينة كولونيالية وشمل الغموض تطورها التدريجي من جمعية تدعو إلي مكارم الأخلاق ثم إلي تشكيل سياسي تتبعه كتائب للكشافة ما لبثت أن تحولت إلي النظام الخاص وهو جناح عسكري سري منفصل عن الجماعة، وكان يتبع المرشد العام حسن البنا مباشرة حتى أن بعض القيادات لم تكن تعلم بوجوده، وهو الذي قام بأعنف أعمال الإرهاب التي ذهب ضحيتها اثنان من رؤساء الوزارات وقاض، واعتدي على ممتلكات الجاليات والمتمصرين وفي مقدمتهم اليهود بالاشتراك مع جماعة مصر الفتاة كل عام في 2 نوفمبر (تشرين ثاني) وهو تاريخ تصريح بلفور، وطال الإرهاب ممتلكات الأقباط والمؤسسات الاقتصادية والقانونية والإعلامية، ولكن سمات المرشد العام الأول هذه بالإضافة إلي التشوهات الإيديولوجية تسببت في قصور بنيوي فكري وتنظيمي رافق مسيرة الجماعة حتى الآن، ولكن لابد من القول أن أعمال الإرهاب قام بها الحزب الوطني قبل نشأة الجماعة حين اغتال الشاب إبراهيم الورداني رئيس الوزراء بطرس غالي بدوافع عنصرية ووطنية فاشية في سنة 1909 وحين أغتال الأخوة عنايت السردار الإنجليزي لي ستاك ونتج عنه سقوط حكومة الوفد في سنة 1923.

تعتمد الجماعة مثلما كل المنظمات الدينية الراديكالية على قاعدة من الشباب المهمش البسيط الذي تزرع فيه الأيدلوجيا الدينية اختيارا مثاليا بين أن يصبح حاكما أو شهيدا في الجنة، كما أنها مثلما كل الجماعات العقائدية المغلقة تمر عادة بثلاثة أطوار أولها طور التبشير بفكرة الخلاص التي تحمل بالضرورة مفردات الوصاية والإكراه وبعد أن تصبح على جانب من القوة التنظيمية تدخل إلي الطور الثاني وهو الاصطدام العنيف مع الواقع وهي مرحلة الإرهاب ثم تكتشف تعقيد الواقع وصعوبة تغييره فتبدأ طورها الثالث بالتحول إلي ثنائية الطقسية والواقعية التي تنزلق أحيانا إلي الانتهازية.

تبقي الواقعة الأهم في تاريخ الجماعة عندما ذهب الصاغ محمود لبيب (كان الساعد الأيمن للفريق عزيز المصري عندما كان يقاتل بجوار العثمانيين ضد إيطاليا في ليبيا) مصطحبا سبعة من الضباط الصغار في سنة 1943 بينهم جمال عبد الناصر وخالد محي الدين كي يبايعوا الشيخ حسن البنا على مصحف ومسدس كنواة لتنظيم الضباط الإخوان، ولكن مرض محمود لبيب ووفاته في سنة 1950 أورث عبد الناصر قيادة المجموعة التي أصبح أغلبها أعضاء في النظام الخاص الذي درب عبد الناصر مجموعات من كوادره وأقدم هو شخصيا على محاولة اغتيال رئيس الوزراء حسين سري، ثم تغير اسم التنظيم عشية الانقلاب بعد ضم أقلية من تيارات أخري إلي "تنظيم الضباط الأحرار".

ناصرت الجماعة الملك فاروق مرارا ضد الوفد حزب الأغلبية، وحين خرجت جماهير الوفد تهتف: " النحاس أو الثورة... الشعب مع النحاس "، خرج الإخوان وطلبة الأزهر يهتفون: "الله مع الملك"، ولما كان الملك يستأثر بقيادة الجيش، وكان الوفد يعتبر الجيش مجرد رمز للاستقلال الوطني، كان نتيجة ذلك أن الجماعات الفاشية نشطت داخل الجيش وفي طليعتها الإخوان باعتباره جيش الخلافة الإسلامية القادمة. وعندما وقع انقلاب يوليو لم يكن في قياداته من الأقباط سوي اثنان في رتبة اللواء وخمسة في رتبة الأمير الاي (العميد). ضغط معسكر التقليديين وعلى رأسه الملك وقيادة الجيش وتيار اليمين في حزب الوفد من أجل دخول حرب فلسطين باعتبار أن تحريرها هو أول خطوات إنشاء الخلافة الإسلامية وإضعاف المنافس وهو العائلة الهاشمية. ولما وقعت الهزيمة لم تكن هستيريا الانتقام أقل من صراخ الحرب.

وثمة عامل دولي مهم يتمثل في أن نتيجة الحرب العالمية الثانية أعادت ترتيب الساحة العالمية لحساب استقطاب بين قطبين خارج أوروبا التقليدية وهو ما أضعف النفوذ البريطاني والفرنسي وهكذا بدأت سياسة شغل الفراغ الأمريكية في حين كانت المكارثية تحكم العقل السياسي فيها، ولم تجد غضاضة في دعم الانقلابات العسكرية الفاشية. هكذا حصل التقليديون في مصر على مدد إقليمي ودولي لم يتيسر محليا وكان أشبه بالتدخل الجراحي.

دفع الشيخ حسن البنا حياته ثمنا لأخر العمليات البارزة في مرحلة الإرهاب التي بدأت سنة 1945 وهي عملية اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي بسبب توقيعه لاتفاق الهدنة بعد هزيمة العرب في حرب سنة 1948 ولم يكن هناك أمل من أي نوع في تغيير هذه النتيجة وكان ذلك أحد الدلائل على القصور الفكري لدي قيادة الجماعة خاصة أن النقراشي كان ممن حكم عليهم الاحتلال بالإعدام في ثورة 19 وكان شريكه في ذلك احمد ماهر رئيس الوزراء الذي اغتاله الأخوان أيضا لأنه أعلن الحرب على ألمانيا سنة 1945 وكان مجرد إجراء شكليا من شروط عضوية الأمم المتحدة. وكانت نهاية مرحلة الإرهاب على يد رئيس الوزراء اللاحق إبراهيم عبد الهادي.

حاولت قيادات الأخوان أخذ العبرة مما حدث وصدر كتاب المرشد العام الثاني المستشار حسن الهضيبي "دعاة لا قضاة " وكان للجماعة مندوب في جماعة أنصار السلام هو الشيخ التميمي والتي أسسها يوسف حلمي، لكن النظام الخاص وتنظيم الضباط مضيا في طريقهما دون اعتبار للجناح السياسي "المدني" وربما يكون حريق القاهرة في 26 يناير (كانون ثاني) سنة 1952 من المحطات على هذا الطريق حيث أغلق عبد الناصر ملف التحقيقات بعد الانقلاب حين أصبح وزيرا للداخلية، وأشاد بالحريق في كتيب "فلسفة الثورة" وهو الحريق الذي أطاح بحكومة حزب الوفد ومهد للانقلاب بالتالي، كما أفرج عن كل المساجين على ذمة قضايا الإرهاب واستثني الجماعة من قرار إغلاق الأحزاب.

نكل عبد الناصر بالجناح السياسي في الجماعة حتى الشنق والتعذيب والإذلال بلا هوادة بعد محاولة اغتياله المثيرة للجدل في سنة 1954، وفي اعتقادي أن البيئة السياسية في ظل جمهورية عسكرية شرسة لم تكن تتحمل منافسين بعد الخلاص من كل القوي السياسية الأخرى، خاصة انه قرب إلي السلطة شيوخ الجماعة الذين كان عليهم فقط إرسال خطاب "تأييد" له كي تسقط كل الاتهامات عنهم، وكان أغلبهم أعضاء في النظام الخاص أو من المتعاطفين معه وكانوا أيضا في الغالب من القاع الاجتماعي في الريف. ومنذ ذلك التاريخ وعلى مدي نصف قرن أصبح الخطاب الديني الجهادي والثقافة الريفية المحافظة هما الثقافة السياسية والاجتماعية لجمهورية يوليو العسكرية واستعاض عبد الناصر بتصور جماعة مصر الفتاة للعدالة الاجتماعية لتعويض النقص في رؤية الأخوان. وهكذا أصبح الاستثناء الثقافي قبل الانقلاب هو عقيدة الحكم من بعده ولم يغير الانفتاح على الفكر القومي العربي والفكر الاشتراكي من هذه الحقيقة إذ أنهما ظلا وسيلة للنفوذ الإقليمي وتوطيد أركان الدولة المركزية التسلطية والدليل على ذلك أنه في نفس السنة وهي 1961 التي أتخذ فيها قرارات التأميم الاشتراكية للاقتصاد والمالية أصدر القانون 103 لتنظيم الأزهر الذي حول شيخ الأزهر من مسئول عن سلوك الطلبة والشيوخ إلي مسئول عن الإسلام وأنشأ جامعة علمية طائفية هي جامعة الأزهر وأقام مدينة البعوث الإسلامية التي جلبت الدارسين مجانا من أفريقيا وآسيا كي يصبحوا قادة للتطرف فيما بعد، وأسس بعد ذلك الحزب الواحد تحت اسم الاتحاد الاشتراكي، وهي نفسها الفترة التي أدار فيها برنامج التعريب الأصولي للجزائر بواسطة شيوخ الإخوان كما سلمهم غزة وأقام فيها جامعة الأزهر وسلسلة من المدارس الدينية، وأصدر قرارا بمصادرة رواية أولاد حارتنا بتقرير من اثنين من شيوخ الإخوان هما السيد سابق ومحمد الغزالي. وهكذا تمت صياغة ذات شرقية عربية إسلامية مغلقة ذات مزاج عسكري عدواني في مواجهة أخر غربي ومسيحي مستعمر وصهيوني و"كافر"، وهكذا تلاشت القضايا الأصلية وهي قضايا الحرية والتقدم والسلام. وانعكس هذا الفرز بالطبع بين المدنيين والشيوخ على التركيب الفكري والتنظيمي للجماعة حيث تداول قيادتها أعضاء النظام الخاص ودخلت سياق التشدد والغلو والتطرف إلي الهاوية أي إلي البيئة الاجتماعية والسياسية الحالية في مصر، والتي خرج منها ثلث تنظيمات العنف الأكثر تشددا وراديكالية على المستوي العالمي، والمثير للسخرية أن الغرب تحت قيادة الولايات المتحدة كان يسمي ذلك استقرارا.

تطابق حصاد الحقل مع البيدر بدقة حينما وصلت تلك السياسيات إلي نتائجها على مدي هذه العقود الطويلة (بأكثر مما يجب)، وعلى سبيل المثال لا الحصر، كان المسلمون السنة في مصر يتوزعون على المذهبين الشافعي والحنفي وهما أكثر المذاهب الإسلامية مرونة وكانت التعددية الدينية والمذهبية سمة واضحة في الحياة المصرية، وكانت ذكري عاشوراء وأربعينية الحسين يحتفل بها سنويا في حي الأزهر، وكان التصوف الديني المسالم ركنا ركينا في الثقافة الاجتماعية المصرية وكانت احتفالات الطرق الصوفية من الاحتفالات العامة الممزوجة بالفن والبهجة وكان المسلمون يتلقون البركات من القسس وكانت سعفات أحد الشعانين تعلق في كل البيوت دون حساسية، بالإضافة إلى أعياد وفاء النيل والقطن والزهور والعلم والمعلم والعامل والفلاح والكشافة التي كانت احتفاليات قومية، وكان المصريون بكل مذاهبهم يمارسون الرياضة في نوادي المكابي اليهودية ولكن في ظل جمهورية يوليو أصبح ملف الأقباط والمسيحيين واليهود والشيعة والبهائيين وكل الأديان والمذاهب الأخرى من اختصاص الأمن، وعين ضابط هو الفريق سعد الدين الشريف على رأس الجمعية الشرعية ذات الجذور الصوفية وكانت أكبر جماعة دينية في مصر وألغيت كل الأعياد القومية باستثناء شم النسيم والأعياد الدينية وأعياد الانتصارات العسكرية الزائفة وأصبح الدين مادة أساسية في التعليم العام، وبعد أن كان التعليم الديني لا يزيد عن سبعة مدارس وثلاثة معاهد عليا أصبح الآن سبعة آلاف مدرسة ومعهد ديني تقريبا وأصبح التعليم الديني ثلث التعليم العام، ودخل الشيوخ إلي كل أجهزة الرقابة، وأصبح عددهم ستة أمثال تعداد المحامين، ولا يوجد في القوانين ما يحرم فتاوى وأحكام التحريض على القتل والاستباحة والكراهية وتمجيد العمليات الانتحارية الإجرامية جهارا نهارا في المطبوعات وأجهزة الإعلام الرسمي ومنابر المساجد ويقوم حزب الجمعة بالحشد أسبوعيا ضد الديموقراطية والعلم والسلام والمرأة والغرب والأديان والمذاهب الأخرى بما فيها الإسلامية في صخب هائل، وأصبح إنشاء المساجد لا يخضع لأي قانون بما فيه قانون العقارات والملكية العامة ومهما كان إنفاقه من الكهرباء والمياه فهو على حساب الخزانة العامة، في حين يسكن الملايين في المقابر ويهيم في الشوارع 2 مليون طفل وطفلة وتوجد ثلاثة هيئات على مستوي وزارات هي وزارة الأوقاف والأزهر ودار الإفتاء.

بعد أن احتكرت الدولة المركزية التسلطية قراءة واحدة متشددة للدين والأخلاق ووضعت كل العلوم والمعرفة في خدمة الإيمان فدب الفساد في الكل، توجت كل ذلك بدستور ديني يعتمد الشريعة المصدر الأساسي للتشريع، ولا يوجد في كل مراكز القرار وما يسمي بالمؤسسات السيادية مسيحي واحد أو امرأة، وأصبح التمديد لرئيس الجمهورية يسمي مبايعة، ويشترط قانون الأحزاب الموافقة على تطبيق الشريعة بجانب التسليم بالجمهورية العسكرية، وتعددت أحكام المحاكم المضادة للقانون المدني ومواثيق حقوق الإنسان، حتى أن أعلي محكمة في مصر أيدت الحكم بتفريق باحث أكاديمي عن زوجته بعد تكفيره.

ماذا يمكن للإخوان أن يضيفوا بعد ذلك سوي تكملة طريق الظلام إلى ما يشبه دولة طالبان ؟ ولذا حاولوا خلال الأعوام الماضية أن يرتفعوا من مستوي الشريك الأداة للدولة إلي مستوي الشريك المتضامن، خاصة أنهم يحتلون مكانة بارزة في خريطة الفوضى التي سببها النظام العربي في فلسطين والسودان ولبنان والجزائر والعراق، وهم مركز التنظيم العالمي للإخوان، ولديهم خبرة جيدة في التعامل من بعيد مع جماعات الإرهاب ثبت ذلك في عملية اغتيال فرج فودة حيث قاموا بالتمهيد لاغتياله بترويج الحكم بكفره ثم دافعوا عن القتلة في المحاكم ثم جاءت بياناتهم ملتبسة باستثناء وحيد هود. سليم العوا، وكل ذلك يرشحهم أداة مثالية للفوضى. ولذا لا يمكن تفسير كيف لدولة عسكرية دينية بامتياز أن تطلب من جماعة دينية أن تصبح حزبا مدنيا؟ ، إن الأمر أقرب إلي الخداع، أو أنها الإشكالية القديمة في التاريخ المصري وهو صراع الكهنة والمعبد في ظل الإقطاع العسكري بهدف استغلال المجتمع وتزييف وعيه وإرادته.

أعترف هنا أن تجربة حزب الوسط ونبذ الجماعات الراديكالية للعنف لم يبذل لها ما تستحقه من حوار ودراسة، واعتقد أن الفرصة ما تزال متاحة.

وأعتقد هنا انه إذا كان من شروط الدولة المدنية والحياة الديموقراطية أن يعاد توزيع القوة أي السلطة والثروة على المجتمع المنهك اليائس وتفكيك المركزية السياسية والاقتصادية الفاسدة؛ فإنها أيضا تعني إعادة الاحتياجات الروحية والقوة الأخلاقية إلي الحق الشخصي والاجتماعي الحر، وهذا يشرع في وجه الدولة قبل أن يشرع في وجه جماعة الأخوان المسلمين.

امين الهادى


الاثنين، 23 أغسطس 2010

د. قدري حفني : قتل خالد سعيد ليس رسالة من أحد والتعذيب في مصر «ثقافة جماهيرية» | الدستور

د. قدري حفني : قتل خالد سعيد ليس رسالة من أحد والتعذيب في مصر «ثقافة جماهيرية» | الدستور
:

«منذ مقتل المناضل الشيوعي شهدي عطية الشافعي في معتقلات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في يونيو 1960 وحتي مقتل خالد سعيد شهيد الإسكندرية في يونيو 2010 كل شيء تغير إلا شيئا واحدا بقي كما هو: طريقة تعامل السلطة السياسية مع المواطن الذي بقي بلا حقوق، لكن ما اختلف في زمن خالد سعيد هو أن التعذيب والقتل لم يعد داخل السجون والمعتقلات لكنه أصبح سلوكا عاما يمارس في الشوارع أمام أعين المارة، ولم يعد ضد معارضي النظام، لكنه أصبح عنفا سلطويا موجهاً بشكل عام إلي المواطن العادي، وفي زمن شهدي عطية عرف العالم خبر الوفاة من خلال سطور نعيه في جريدة الأهرام والصدفة وحدها هي التي لعبت دورا في وصول الخبر إلي العالم لكن في زمن خالد سعيد عرف العالم أجمع خبر موته من خلال مواقع الإنترنت والمدونات والفيس بوك.

هذه الكلمات وغيرها حدثنا بها أستاذ علم النفس السياسي دكتور «قدري حفني»، كاشفا عن جوهر حادثة مقتل ضحية التعذيب خالد سعيد، ومبينا في حواره مع «الدستور» أن هذه الحادثة التي جذبت اهتمامه بشدة تعكس دلالات تكاد تختصر ما وصل إليه حال المشهد السياسي والاجتماعي المصري الذي وصل إلي أقصي درجات عنفه، نتيجة استمرار منهج السلطة في التعامل غير القانوني وغير الإنساني مع مواطنيها، وإن خرجت الانتهاكات من نطاق المشتغلين بالسياسة إلي نطاق المواطن العادي.

> بين كل الأحداث السياسية الساخنة المطروحة علي الساحة من اعتصامات وتظاهرات وحتي الأزمة بين المحامين والقضاة... لماذا كان أشد ما لفت نظرك هو خبر مقتل خالد سعيد؟

-عندما قرأت هذا الخبر عدت بالذاكرة خمسين عاما وتذكرت ما حدث للمناضل الشيوعي شهدي عطية الشافعي الذي قتل بسبب التعذيب علي يد رجال السلطة... وما بين المشهدين «الشافعي وسعيد» هناك بعض الفروق البسيطة لكن هناك الكثير من التشابهات أهمها هو أن كل شيء يتغير ماعدا السلطة وطريقة تعاملها مع مثل تلك القضايا ، فعندما قتل شهدي عطية كيف عرفت الناس خبر الوفاة؟ من خلال نعي كتبته زوجته في صفحة الوفيات بجريده «الأهرام»، تحت عنوان «فقيد العلم والوطنية» كتبت: ننعي إلي الأمة العربية فقيدها الغالي شهدي عطية الشافعي مفتش اللغة الإنجليزية بوزارة التعليم، وكتبت بيت الشعر الذي يقول «فتي ما بين الطعن والضرب ميتة تقوم مقام النصر أن فات النصر» هذا البيت الشعري الذي اختارته زوجه شهدي عطية هو الذي عرف الجميع أنه قتل، ومصادفة وصلت الجريدة إلي يوغسلافيا حيث كان الرئيس جمال عبد الناصر يشهد احتفال الشبيبة الشيوعية اليوغسلافية، فوقف أحد الشباب الشيوعيين هناك وناشد الحضور الوقوف دقيقه حداداً علي روح المناضل الشيوعي شهدي عطية الذي قتل في معسكرات التعذيب في بلد عبد الناصر، وقتها قام عبد الناصر بإرسال برقية إلي زوجة شهدي قال فيها «إني وراء القتلة» وأوقف التعذيب.

هذا ما حدث في زمن شهدي عطية... أما في قضية خالد سعيد الأمر اختلف، العالم كله عرف عبر الفيس بوك والإنترنت والمدونات وخرجت مظاهرات في دول العالم، ذلك لأن العالم تغير بسبب ثورة التكنولوجيا، لكن مع ذلك هناك شيء واحد لم يتغير بعد وهو رد فعل السلطة عندما قتل شهدي عطية أجري تحقيق في المعتقل وكتب فيه « أنه كان طالع علي السلم فوقع مات» لكن عندما أخذ ناصر القرار وأعيد فتح التحقيق تم الكشف عن تعذيبه.

وهذا يشير إلي أن كل شيء يتغير عدا السلطة، في واقعة خالد سعيد قالوا إنه مات بالخنق بعد ابتلاعه لفافة مخدرات، من الممكن أن تكون تلك الواقعة الجزئية صحيحة لكن الموضوع في التعذيب، وليس سبب الوفاة.

> لكن تهمة شهدي عطية - حسب توصيف نظام ناصر لها - أنه «شيوعي» لكن ما تهمة خالد سعيد، فهل كونه -لو صدق ادعاء الداخلية- متعاطي مخدرات يعد اتهاما يستحق عليه القتل؟

-هذا هو مكمن الخطر لأن السلطة من قبل كانت تحدد أعداءها مثل الإخوان الشيوعيين..الخ، لكن خالد سعيد عدو من؟ هنا أصبح المواطن العادي في حد ذاته عدوا للسلطة.

هنا يبرز ما يسمي بثقافة التعذيب التي أصبحت ثقافة جماهيرية و«كلنا» بنحب التعذيب والعنف أصبح سلوكا عاما يمارس بين كل فئات الشعب حتي بين رجال القانون أنفسهم والدليل هو ما يحدث بين المحامين والقضاة الآن، إذا بحثنا في سبب الأزمة نجد أن جوهر الموضوع هو استرداد الحق باليد والقوة وليس بالقانون جوهر ما حدث بين المحامي ووكيل النيابة والذي فجر الأزمة بين الطرفين هو أن الثاني اعتدي بالضرب علي المحامي - حسب الرواية المعروفة- وعندما تدخل المحامي العام لحل الأزمة والصلح لم يرتض المحامي بهذا الحل والاحتكام إلي القانون وقرر استرداد حقه بيده وقام بضرب وكيل النيابة.

وعما حدث بين القضاة والمحامين كتبت مقالا بعنوان «تحية واجبة لشباب المحامين وشباب القضاة... علمناكم فاستوعبتم الدرس وتفوقتم» فنحن الجيل الأكبر علمنا هذا الجيل أن استرداد الحق «باليد وليس عبر سلطة القانون» وتلك هي مسئوليتنا التي علينا تحمل عواقبها.

> هل تجد إذن في العنف رابطا بين قضية خالد سعيد، وأزمة المحامين والقضاة؟

-الواقعتان شيء واحد من وجهة نظري، والاثنتان نتيجة طبيعية لما عززناه من أفكار تؤكد أن «المحترم والأقوي هو الذي يأخذ حقه بيده» ومن ثم إذا كنت شرطيا ومن الممكن أن تحتكم إلي القانون أثناء القبض علي مجرم، إلا أنه من الأفضل أن تضربه وتعذبه، حتي المحامي ووكيل النيابة والقاضي الكل يسترد حقه بيده.

قديما عندما طرح شعار «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» كان المقصود هنا إسرائيل عدونا الخارجي، لكننا حذرنا من وقتها أن القوة لا تتجزأ وإذا ربينا أطفالنا علي أن استرداد الحقوق بشكل عام لن يأتي إلا من خلال القوة هنا اختصرنا الحق وطرق استرداده في ممارسة العنف.

> لماذا اهتم الناس بحادث خالد سعيد -رغم أنهم لا يعرفونه - ولم يهتموا بما يحدث بين القضاة والمحامين؟

- لأن المحامين والقضاة فئات متميزة ومعروفة، لكن «خالد سعيد» لا يعرفه أحد لأنه مجرد شاب عادي، وهذا ما أفزع الشباب العادي الذي خرج محتجا علي ما حدث معه، لكن خلاف المحامين مع القضاة أمر لا يخصهم، وحتي عندما أضرب المحامون لم يضرب معهم أي مواطن لأنه لا يري ضررا مباشراً عليه.

> لكن حادثة خالد سعيد طرحت بشكل مختلف، فهو أولا شاب عادي حتي انحرافاته عادية أنه كان شابا مشاغبا أدي الخدمة العسكرية وخرج بتقدير ضعيف، لكنه ليس قاتلا، في النهاية مواصفاته هي مواصفات الشاب المصري العادي غير المهتم بالقانون وأصدق أنه يتعاطي المخدرات، لكنني لا أصدق أن يقتل بهذا الشكل، حتي وإن كان فعلا هاربا من الخدمة العسكرية - حسب رواية الداخلية - هل هذا يستدعي قتله، ولماذا هو؟ رغم أنه كان هناك مطرب هارب من الخدمة العسكرية والناس رفعت له اللافتات وقالت له « بنحبك» رغم أنه مزور ومتهرب من الخدمة.

جوهر القضية هو أن ما حدث لخالد سعيد ليس حادثة فردية وما حدث بين القضاة والمحامين أيضا ليس حادثة فردية وإذا اعتبرناهما كذلك فمن المؤكد أنها ستتكرر.

> كل يوم هناك حوادث قتل وتعذيب داخل أقسام الشرطة..لكن لم تخرج مظاهرات احتجاجية كما حدث مع شهيد الإسكندرية.. لماذا؟

- لأن حادثة التعذيب وقعت في الشارع أمام الناس، و الصحف ووسائل الإعلام نشرت صوره بعد الضرب والتعذيب، وأسرته نشرت في المقابل صورة جميلة جداً للشاب قبل التعذيب تثير التعاطف، هذا كله عمل إعلامي واستفز مشاعر المصريين.

أيضا وزارة الداخلية أخذت موقفا دفاعيا و أصدرت بيانا تقليديا أدانت فيه خالد سعيد ووصفته بـ«الحشاش والخارج عن القانون» هذا أمر استفز مشاعر المواطنين.

> هل قتل خالد سعيد بهذا الشكل كان يحمل رسالة من النظام إلي الشعب؟

- كنت أتمني أن يكون الهدف مما حدث هو توصيل رسالة لكن هذا لم يحدث فالرسالة تعني أن هناك جهازا مركزيا يرسل رسالة، لكني متأكد أن ما حدث لا يحمل أي رسالة، أنما تعبير صريح علي أن العنف أصبح سلوكاً عاماً، يمارس حتي دون توجيه أوامر مباشرة، هذا بعكس ما حدث في مقتل شهدي عطية الذي كان فعلا يحمل رسالة أن الشيوعيين مستهدفون، لكن في قضية خالد سعيد لا توجد أي رسالة لأن الرسالة المطلوب توجيهها أصبحت بداخلنا تشبعنا بها وتربينا عليها وأصبح التعذيب سلوكا عاديا.

> بدا في الفترة الأخيرة وكأن هناك صداما مابين القضاة والمجتمع، في البداية كانت هناك أزمة تولي المرأة منصب قاضية بمجلس الدولة، ثم أزمة القضاة والمحامين، ثم الكنيسة والقضاء بعد الحكم بحق المطلقين الأقباط من الزواج.. هل أصبحت هناك أزمة ثقة بين القضاة والمجتمع؟

- في رأيي الأزمة بدأت عندما شاهدت الناس القضاة وهم في مظاهرات، بمعني أنني حينما أشاهد القاضي في مظاهرة وأتضامن معه ثم أتقدم أمامه في المحكمة أليس من الممكن أن يتحيز لي، و العكس لو كنت ضده سيتحيز ضدي، لذلك فمنذ قديم نعرف أن القاضي لا ينبغي أن يري و لا يحتك بالناس لأنه رمز للعدالة والحيادية والانتصار إلي القانون.

> هل تري إذن أن تظاهر القضاة هو الذي هز صورتهم... و ماذا عن القضاة الذين اتهموا بتزوير الانتخابات ألم يكن هذا سببا أدعي لوجود أزمة ثقة بين المواطن والقاضي؟

-هذا بالطبع ترك أثرا، لكن جوهر القضية في أنه حينما يشتبك كقاض في الممارسات اليومية سواء كانت تزويراً أو إدانة تزوير أو رأيه في السياسة أصبح هنا شخصا عاديا مثله مثل أي شخص، هذا هو جذر اهتزاز صورة القضاة.

> وهل هناك أسباب إضافية في أزمة القضاة والمجتمع غير تظاهرات القضاة؟

-ليس تلك هي الأسباب الوحيدة، لكن هناك أسبابا أخري كشفت عنها الأزمة الأخيرة بين المحامين والقضاة فإذا بحثنا في جوهر القضية نجد أن وكيل النيابة حاصل علي «مقبول» والمحامي دفعته حاصل علي تقدير «جيد» ، فالأول أصبح وكيل نيابة والثاني محامياً، هنا جذر الإحساس بالعنف الذي يفجره هو الإحساس بالظلم وغياب الشفافية، حسب ما يعلن رسميا أن هناك دفعة تكميلية من القضاء لأبناء المستشارين ، إذن لو أنا رفعت قضية أمام قاض أتظلم فيها من تعيين شخص علي حسابي بالاستثناء، والقاضي نفسه الذي يحكم معين أصلا بالاستثناء فكيف يكون حكمه؟!

-قديما كان هناك استثناء لأبناء أساتذة الجامعة في التعيينات ونجحنا في إلغائها لكن ماذا عن أبناء المستشارين والقضاة، هناك تساؤلات مهمة إذا لم نجد أجابه عنها سيزداد الإحساس بالظلم في ظل مناخ عام يؤكد علي أن استرداد الحق بالقوة يؤدي إلي أن العنف سيزداد.

لذا فلا أتصور أن المخبرين الذين ضربوا خالد سعيد كانت لديهم تعليمات صارمة من قبل وزارة الداخلية بضربه وقتله، هذا أمر أخطر حيث يؤكد أن العنف أصبح ثقافة الجميع ومنهجاً عاماً بل وسلوكا عاديا في التعامل علي جميع المستويات.

> هل غياب تلك الثقة كانت سببا - من وجهة نظرك - في تشكيك أسرة خالد سعيد ومنظمات المجتمع المدني بل أغلبية الشارع المصري في تقارير الطب الشرعي وبيان الداخلية، بل ولديهم إحساس مسبق أن حق خالد سيهدر؟

-لم ير أحد منا ما حدث مع خالد سعيد وكانت أمامنا روايتان ونفرض أن كلتيهما مقنعتان الرواية الأولي لأسرة خالد سعيد والثانية للداخلية، أنا أقرب إلي تصديق رواية الأسرة، وليس رواية الداخلية لماذا؟ لأن الداخلية هي الطرف الأقوي والأقدر علي التزييف، خصوصاً أن الضحية هذه المرة ليس عليه خلاف فهو لا ينتمي لأي فصيل سياسي، ولا هوية سياسية له فهو واحد من صفوف الجماهير العادية.

> هل التركيبة النفسية لرجل الشرطة اختلفت عما كانت من قبل، بمعني أن من عذب شهدي عطية كان يري أنه عدو للوطن لأنه شيوعي ومن ثم خلق لنفسه مبررا لتصرفه، لكن خالد سعيد لم يكن عدوا فهو شاب عادي ورغم ذلك ضربه المخبر حتي الموت؟

- الناس تعلمت أن الذي يمارس العنف هو الأقوي، ومن ثم لم نعد بحاجة لمبرر أن الذي يعتدي عليه هو فقط عدو الدولة.

إذا أردنا علاج هذه الظاهرة فلابد من ترسيخ ثقافة السلام التي يخشي الجميع الحديث عنها خوفا من اتهامه بالتطبيع، ذلك لأن السلام أصبح ذهنيا مرتبطا بعملية التطبيع، إذا نجحت الصهيونية في شيء فهي نجحت في أن تصدر لنا فكرة التطبيع وإدانة السلام، ذلك لأنها تعرف جيدا أن السلام ضدها ونحن التقطنا تلك الفكرة وتشبعنا بها، حتي وصل الأمر إلي أن من يدعي السلام فهو شخص خائن.

والدليل هل هناك وحشية أكثر من وحشية الإسرائيليين الذين قتلوا النشطاء المدنيين علي أسطول الحرية؟ لا طبعا.. إلا إن إسرائيل تعلن دائما أنها مع السلام ، ونحن نعلن أنه علينا سحب مبادرة السلام، وإسرائيل التي تقتل هي التي تقول إنها مع السلام، ومن ثم الذي نتج عن غياب ثقافة السلام هو انتشار وتعزيز ثقافة العنف التي لم تعد موجهة ضد إسرائيل لكنها أصبحت سلوكا عاما في المجتمع.

> وهل تسمح ثقافة العنف تلك لرجل الشرطة بقوة إضافية؟

-من بين آلاف طلاب الثانوية العامة يتخرج كل من ضابط الشرطة و الحرامي ووكيل النيابة وأستاذ الجامعة والقاضي، بمعني أن ضباط الشرطة ليسوا نسيجا غريبا عن المجتمع، لكنهم إفراز طبيعي لثقافة وتعليم هذا المجتمع، والمناهج التعليمية نفسها التي تم تدريسها بالمدارس، فالجميع أبناء هذه الثقافة، إذن لا يمكن لنا أن نسيد الفكرة ونقول إن رجال الشرطة لديهم عنف، علينا أن نجيب أولا عن هذا التساؤل هل هم أبناء مجتمع وثقافة أخري أم أنهم أبناء البيئة الثقافية والاجتماعية نفسها التي تربينا بها.

> لكن هناك آراء تقول إن التربية الشرطية والمناهج التي يدرسونها داخل كليات الشرطة هي المكون الرئيسي لثقافة العنف لدي الضباط؟

- غير صحيح.. لأن من يدخل كلية الشرطة يلتحق بها وهو بالغ من العمر 18 عاما يعني تشبع بكل القيم والأفكار التي تربي عليها داخل أسرته والمدرسة وتم تشكيل ثقافته ووعيه، الشخصيه تكون أثناء الطفولة والمراهقة، ما بعد ذلك مجرد تفاصيل.

كما إنني قمت بمراجعة مقررات كلية الشرطة، ووجدت أنهم يدرسون مادة حقوق الإنسان، و الحقوق لكنه في النهاية هذا الشرطي ابن مجتمعه، يعود إلي خلفيته الثقافية والقيم التي تربي عليها منذ طفولته.

> هل المناهج التعليمية طرف أساسي في ذلك؟

- هناك ما هو أخطر من المناهج وهو المناخ الثقافي العام الذي يعزز ثقافة القوة وأن الضعيف لا مكان له، والقوة للأغلبية ومن ثم تقمع الأقلية.

> لكن طالما بقيت السلطة للأقوي إذن هذا يعني سقوط دولة القانون؟

-هناك دولة قانون، لكن رجال القانون أنفسهم أبناء ثقافة هذا المجتمع وهي ثقافة العنف، لذا علينا أن نشغل أنفسنا بالسؤال الأهم وهو وماذا بعد؟

> و ماذا بعد وكيف نواجه ذلك من وجهة نظرك؟

-أعيد صياغة الثقافة العامة والتأكيد أن السلام هو الثقافة البديلة للعنف وهو الحل بدون خجل وإذا كانت الناس تروج أننا استعدنا سيناء بالقوة فهذا غير صحيح بالقوة استعدنا 15 كيلو وبالمفاوضات استعدنا باقي أراضي سيناء وبالتحكيم الدولي أخدنا طابا، من لديه كلام خلاف ذلك يرد به.

بالقوة لم ندخل تل أبيب ولم نصل رفح، أحدثنا خسائر كبيرة في الجيش الإسرائيلي أحدثت له صدمة علي أساسها تفاوضنا فتم الرجوع من قبل العدو لحدودنا الدولية ثم لجأنا إلي المحكمة الدولية لاسترداد طابا... تلك هي حقيقة ما حدث وهذا ما لا يقال لأن هذا يكسر فكرة العنف ويؤكد أن المفاوضات والتحكيم الدولي من الممكن أن تأتي بنتائج.

> لكن المفاوضات أحيانا كثيرة لاتصل إلي نتائج والدليل اعتصامات واحتجاجات العمال أمام مجلس الشعب؟

-كان هناك إضراب في كفر الدوار اشترك فيه 20 ألف عامل، كان إضرابا منظما نقابيا ليس له أي طابع سياسي حل بالمفاوضات، كلا الطرفين العمال وصاحب العمل وصلا إلي حل وسط يرضي الطرفين، لم يركز أحد علي دراسة ما حدث، وحتي إضراب الضرائب العقارية نجح، لأنهم خاضوا مفاوضات طويلة حققوا من خلالها مكاسب جيدة.

أما عمال «أمونسيتو» فاعتصم منهم عدد محدود أمام مجلس الشعب، من ثم أصبح الأقلية هم الغاضبين أما الأغلبية هي التي ارتضت إلي ما انتهت إليه المفاوضات الأولي، لذا لم يهتم بهم أحد، لو تصورنا إضراب الضرائب العقارية كان بعدد محدود هل سيكون لها النتائج نفسها التي حققوها من المؤكد لا، ذلك لأن قوتهم من عددهم وأن الجماعة علي قلب رجل واحد وتلك هي قوانين الإضراب.

> كيف كانت قراءتك لمشهد الاعتصامات المتتالية أمام مجلس الشعب وهتاف البعض ضد أعضاء المجلس؟

-لفت انتباهي ما هو أخطر من وجهة نظري، وهو أنني شاهدت هؤلاء مضربين ويهتفون والمرور يسير والناس تمر من أمامهم دون أن يتضامن معهم أي شخص عادي، لماذا لم يتعاطف الناس معهم؟ لأن الاعتصام عندما يكون محدود العدد لا يجد تعاطفا.

كما أن مشهد الاحتجاجات والاعتصامات بشكل عام في مصر أمر مهم وجيد،وتلك ظاهرة لم تعرفها البلدان العربية باستثناء لبنان وفلسطين، وباقي الدول العربية ما زال أمامهم نصف قرن حتي يعرفوا المظاهرات، وهذا ليس معناه أنهم سعداء بما هم فيه الآن، لكن مصر رغم كل المشكلات التي تمر بها لكنها أكثر الدول العربية تحضرا«شعبا وسلطة»، رغم أن السلطة تقاوم المظاهرات لكن مقاومتها لها ليس كما يحدث بدول أخري تقاوم مجرد التفكير في تنظيم المظاهرات، في مصر مدونات في حين أنها محظورة في كثير من البلدان العربية، هذه ظاهرة إيجابية تحسب لنا ولو كانت المدونات تحت المراقبة وهي ممكن أن تكون كذلك، من الممكن أن تكون السلطة تستفاد من هذا الوضع وتتباهي به لكن في النهاية يحسب لها.

> هل ضعف عدد المتظاهرين فقط هو الذي لا يثير تعاطف الناس معهم أم لأنهم يطالبون بمطالب خاصة جدا تخصهم و حدهم ولا تعبر عن مشكلات الأغلبية؟

- البعض يوصف هذا بأنه احتجاجات مطلبية، وأن المظاهرة الحقيقية هي التي تكون علي أساس مطالب سياسية، أما المظاهرات في كل دول العالم فأغلبها مظاهرات مطلبية، وليست سياسية بمعني أنه لا ينبغي أن نحتقر المظاهرات القائمة علي مطالب فئوية لأنها أمر مهم.

> السؤال التقليدي الذي لا نمل من طرحه وهو لماذا لا يثور المصريون؟

-الثورة لها قوانين وهي أن يعي الشخص بظلمه، ثانيا لا يوجد أي أمل في بقاء الوضع عما هو عليه، وأن يكون هناك أمل في أن الثورة ستحقق الهدف المطلوب تلك هي الشروط الرئيسية التي تدفع إلي الثورة وبدونها لن تحدث.. وتلك القوانين لم تتوافر بعد لدي المصريين.

> ألا تعتبر احتجاج المصريين علي ما حدث لخالد سعيد شكلا من أشكال الثورة أو خطوة نحوها؟

-من خرجوا احتجاجا علي ما حدث لخالد سعيد اتخذوا موقفا جيدا لكن علينا أن نسأل أنفسنا في البداية هل هم خرجوا احتجاجا علي العنف والظلم بشكل عام أم احتجاجا علي هذا الشكل تحديدا من فقط أم ضد العنف بشكل عام

الأحد، 22 أغسطس 2010

فى حواره لجريدة الأهرام الأسواني‏:‏ العلمانية لفظ سييء السمعة

فى حواره لجريدة الأهرام الأسواني‏:‏ العلمانية لفظ سييء السمعة: "
"

كتبهاعلاء الأسوانى ، في 22 أغسطس 2010 الساعة: 14:32 م

الأسواني‏:‏ العلمانية لفظ سييء السمعة
حوار‏:‏ دينا توفيق
تصوير محمد مصطفى
جريدة الاهرام
22أغسطس 2010
العلمانية صارت لفظا سييء السمعة‏,‏لكنها في واقع الامر ليست ضد الدين‏,‏ فحتي وفاة الرئيس عبدالناصر كانت ممارسة الدين ليس لها علاقة بالمشروع السياسي‏.
مؤكدا أنه روائى لديه أفكار سياسية وليس سياسيا يكتب روايات
كانت رواية عمارة يعقوبيان تميمة نجاحه الكبير
فقد أقبل عليها القراء من كافة المشارب‏,‏ وانشغلوا بشخوصها واحداثها‏,‏ وتعقبوا خفاياها‏,‏ فتعددت طبعاتها بشكل يفوق كل التوقعات‏,‏ وترجمت الي لغات عالمية متعددة‏,‏ ووزعت في الغرب مئات الآلاف من النسخ‏,‏ وحققت له شهرة تقارب نجوم السينما‏.‏ وتحولت الي فيلم‏,‏ ومسلسل‏,,‏ وبات يعرفها العامة مثل النخبة‏,‏ ويحلو للبعض ان ينسب اليها الفضل في اعادة الاعتبار للأدب وفعل القراءة وتوسيع لأقصي مدي‏.‏
واثبتت روايته الثانية شيكاغو قدرته علي تجاوز مأزق العمل التالي علي نجاح كبير‏,‏ وهو اختبار كبير للمبدعين الجادين‏,‏ وحظها لم يكن اقل من سابقتها‏,‏ وحققت في مصر والدول العربية والخارج مبيعات اكبر من عمارة يعقوبيان‏.‏
هو الآن امام مشكلة العمل الثالث الذي يجلو الموهبة ويدشن صاحبه مبدعا معتمدا لدي الخاصة والكافة؟‏!‏
مستوي الروايتين يشير بوضوح الي ان قدرات علاء الأسواني باتت خارج المأزق‏,‏ وبعيدا عن أفق الاختبار الضيق‏,‏ حيث تحلق في فضاءات الإبداع الرحبة‏.‏
وازداد اهتمامه بالشأن العام‏,‏ ومن المنادين بالديمقراطية والحريات والتغيير السلمي‏,‏ وان كان لايحب ان يصفه البعض بالناشط السياسي لانه بالاساس روائي لديه رؤي ومواقف سياسية‏,‏ وليس سياسيا يتعاطي الادب‏,‏ لكنه بات من اعلام المجتمع المصري بعد ماحازه من نجاح وشهرة يضعها في خدمة بلده‏,‏ ويحرص في المنتديات الثقافية التي يدعي اليها في الخارج ألا يتحدث في السياسية‏,‏ بل يقبل علي الجميع بصفته اديبا‏.‏ اجتمعت له خبرة الحياة‏,‏ وطب الاسنان‏,‏ والادب‏,‏ والثقافة واختلطت بوجدانه فقدمت لنا مبدعا جادا‏,‏ يتوفر علي مشروعه بثقة ودأب ومهارة‏.‏
أنت تثير التساؤلات سياسيا وأديبا‏,‏ فهل روايتك الجديدة مرشحة لإثارة الجدل مثل يعقوبيان وشيكاغو؟
الرواية تدور عن مصر في الاربعينيات‏,‏ في جزء منها تاريخية‏,‏ وأناقش فيها كل القضايا التي تشغلنا حتي الآن كالطبقية والظلم الاجتماعي وعلاقتنا بالغرب وهل نحن نستحق العدل الذي أراه موازيا للديمقراطية ام لاب‏.‏
وهل هذه القضايا مازالت موجودة وتستحق المناقشة؟
السؤال الانساني موجود منذ وجد الانسان‏,‏ ومنه السؤال المصري الذي نطرحه حول العدل وعلاقة الفقراء بالأغنياء‏,‏ وللأسف حين نعود الي القضايا المثارة منذ الأربعينيات نجد أنه لم يتم حلها للآن ومنها علاقة المصري بالتراث والشريعة الاسلامية ونوع الدولة التي نريدها سواء دولة مدنية ام اسلامية؟؟
ما الدولة المدنية من وجهة نظرك؟
هي الدولة التي لايرتب فيها الدين حقوقا سياسية‏,‏ فأنت مواطن لأنك تنتمي الي هذه الدولة بغض النظر عن ملتك ودينك ولك فيها كافة حقوق المواطنة امامها سواء كنت مسلما ام مسيحيا ام بهائيا‏,‏ المؤسسات فيها لاتقوم علي اساس ديني‏.‏
أي دولة علمانية؟
‏ لنضرب مثالا بالوفد الذي يعد اكبر ظاهرة حزبية في تاريخ مصر‏,‏ والذي للأسف لم تتم دراسته بالشكل الكافي حتي من جانب المنتمين اليه والقائمين عليه الآن‏,‏ فقد كان الوفد حزبا مدنيا ديمقراطيا يسعي لاقامة دولة مدنية وكان مصطفي النحاس باشا متدينا ويوقف اجتماعات الوفد لاقامة الصلاة وكان يؤدي كافة العبادات ولايفوت فرضا‏,‏ وهناك واقعة شهيرة له عندما اراد احمد حسين اطلاعه علي برنامج حزب مصر الفتاة ومن مجرد نظرة واحدة الي الورقة قام بطيها وأرجعها اليه قائلا بانه لن يقرأها لانه بدأ باسم الله وانه عندما يضع لفظ الجلالة في برنامج سياسي‏..‏ يبقي دجال‏.‏
يتم النظر اليك كناشط سياسي من جانب الكثيرين‏,‏ وما رأيك ؟
لا أحب لقب الناشط سياسي وترجمتها‏activist,‏ في العالم الديمقراطي يعمل في مناخ ديمقراطي وما أقوم به من عمل عام تجاه البلد الآن اعتبره واجبا وطنيا واذا تحققت الديمقراطية بمعناها الشامل سأفقد الاهتمام‏,‏ فأنا اعمل لان هناك موقفا يدفعني للاشتراك في العمل‏.‏
لكن هل يتم التعامل معك في الغرب باعتبارك ناشطا سياسيا بجانب الاديب؟
لاطبعا‏..‏ أنا حريص جدا‏,‏ ولا أدلي بأية احاديث سياسية في الخارج اطلاقا لأسباب مهنية ولأني عرفت ونجحت كروائي ؟ وسمعت مشورة أصحاب دور النشر الكبري التي تنشر لي بألا أقدم نفسي بغير صورتي‏,‏ فأنا روائي بالأساس لديه افكار سياسية ولست سياسيا يكتب روايات‏,‏ ولست ناشطا سياسيا ولا أسعي للرئاسة واي حوار معي يكون أدبيا او عن المجتمع المصري‏,‏ ربما يكون في الحوار سؤال او اثنان عن السياسة‏.‏
تتحدث دوما عن دور المثقف ودفع عجلة الثقافة فمن هو المثقف من وجهة نظرك؟
الانسان لايتجزأ‏,‏ فلا يمكن ان يكون فنانا او أديبا ويقف مكتوف اليدين فيما يخص قضايا شعبه ووطنه‏,‏ وأنا شخصيا اشارك بالكلمة والفعل قدر الاستطاعة وأسعي الي طرح المفاهيم وعندي ندوة اسبوعية منذ عام‏1996‏ قدمت من خلالها أدباء كثيرين أصبحوا نجوما المشكلة الرئيسية ان الثقافة المصرية قوية جدا لكننا لاندرك قيمة انفسنا‏.‏
ما الثقافة بشكل محدد؟
ثقف تعني في اللغة شذب وهذب وهي تستخدم للغصن والسيف‏,‏ والمثقف يملك رؤية تؤدي به الي موقف وهذا في العالم كله‏,‏ فهناك فرق بين المثقف وصاحب المعلومات حيث يوجد كتاب معروفون كثيرون غير مثقفون لانهم لديهم معلومات لم تتبلور في مواقف من الحياة عشنا تحت وطأة هذا التعريف للمثقف زمنا طويلا فصار هناك مثقف في بلادنا بدون موقف وهو لايساوي شيئا‏.‏
هلا أعطيتنا أمثله تدل علي صحة كلامك؟
الذين وقفوا ضد حرب الخليج هم أفضل المبدعين في السينما والشعر والمسرح كمدافعين عن قيم العدل والحرية‏,‏ وما فعله اهم روائي علي قيد الحياة الآن وهو الكاتب الكولومبي الكبير جارسيا ماركيز من أجل القضية الفلسطينية يؤسفني ان أقول إنه ربما أكثر فاعلية من مواقف كتاب عرب كثيرين وللأسف كان ذلك موجودا في مصر قبل السبعينيات وقد دفع المثقفون المصريون الثمن من أجل آرائهم مثل حسن فؤاد وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس وغيرهم وحتي نجيب محفوظ كان قد كتب ثرثرة فوق النيل وميرامار أيام عبدالناصر وكانتا أقوي من مائة مظاهرة ولابد ان نقر بأن مواقف المثقفين المصريين معروفة ومنها ما قاله الرئيس السادات بأن بيان دعم الحركة الطلابية الذي وقع عليه نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويشرفني ان والدي الكاتب عباس الاسواني كان معهم وغيرهم‏,‏ هذا البيان كان من الأسباب الرئيسية التي عجلت بحرب اكتوبر فالمثقف غير صاحب الحرفة‏.‏
في الوسط الثقافي من لايفضلون أعمال علاء الاسواني وينظرون إليها كأنها مجرد طرح رؤي اجتماعية تقوم فيها بمجرد كشف المستور والحرفة الأدبية فيها غير مكتملة كيف تري هذه الانتقادات؟
الحمد لله أخذت مايكفيني لسنوات قادمة من كبار النقاد في مصر منذ أعمالي الأولي‏,‏ وان كنت أري انه أولي بنا كمنادين بالديمقراطية ان نبدأ بأنفسنا‏,‏ فكل إنسان له حريته ومايراه‏,‏ ولقد أخذت من الحفاوة ما يجعلني غير محتاج لشهادات نقدية إضافية‏.‏
هناك عدم احتفاء بفكرة الاكثر مبيعا التي اشتهرت بها؟
أن يتحول الاقبال علي أعمالي الي شيء سلبي فهذا شيء مدهش‏!‏ وان كان صحيحا أن الاقبال علي الأعمال لايعني أنها الأفضل‏,‏ إذن فالنفور منها لايعني بالضرورة أنها أعمال أدبية سيئة فمثلا الشاعر الكبير محمود درويش أهم الشعراء العرب ووصل الي درجات من المبيعات لم يصلها شاعر في الشعر العربي علي الاطلاق وكذلك صلاح جاهين وجارسيا ماركيز الذي لم يكن فقط الأعلي مبيعا ولكنه غير أرقام البيع في تاريخ الأدب فقبله كانت الرواية تبيع من‏5‏ إلي‏10‏ ملايين نسخة قفز هو بها الي‏50‏ مليون نسخة فلو الرواية يقرؤها‏3‏ افراد فقط صار هناك‏150‏ ملايين قارئ لكاتب واحد يشكلون جمهورية جارسيا ماركيز وبالتالي فعلي من يطرحون تلك المفاهيم ان يراجعوها‏.‏
ما دوافعهم لمهاجمتك؟
حتي أكون منصف نحن في مجتمع محبط وأي مواطن مصري يسير في الشارع يعتقد يقينا انه يستحق اكثر مما هو فيه‏,‏ وهناك في علم النفس معادلة التعايش مع الاحباط‏,‏ وفيها يري الشخص انه موهوب وانه لم يأخذ حقه فيحيل ذلك الي البلد والمجتمع وأنهم السبب في مشاكله الشخصية ولو نجح احدهم في الخارج يمنح البعض المبرر بأنه في الخارج ولكن في المقابل لو نجح شخص من نفس البلد الذي بدأ معك وتترددون يوميا علي نفس الامكنة والندوات فتحدث المشكلة فجزء من هؤلاء يكرهونك فعلا لانك تفسد عليهم تعايشهم مع الاحباط وتثبت لهم انهم كان من الممكن ان يحققوا نجاحا مثلك وتكشف لهم تقصيرهم وقلة قدرتهم‏.‏
وهل اعتدت علي هذا وتعايشت معه؟
كنت أنزعج ولكني تعايشت‏..‏ ولي ناشر فرنسي قال لي بالحرف‏..‏ لم ار كاتبا يثير غيرة الآخرين من الكتاب المصريين والعرب مثلك‏!!‏ وانني رغم كل شيء متفهم موقفهم وبواعث الغيرة الأدبية وإن كنت أري أنهم يجب ان يغيروا مفاهيمهم لأن مهمتهم أصبحت صعبة بسبب الاعتراف الأدبي الدولي بي والرقم موثق حيث تمت ترجمت اعمالي الي‏29‏ لغة في‏87‏ طبعة ووصلت المبيعات الي مليون نسخة في غير اللغة العربية‏,‏ ويجب ان نعترف بعدم وجود الادب المصري علي الخريطة العالمية عدا استثناءات قليلة مثل نجيب محفوظ وجمال الغيطاني وبهاء طاهر‏.‏
لماذا يقل تواجدنا من وجهة نظرك؟
الفكرة ان الادب العالمي له معايير للمنافسة وكيفية كتابة الرواية العالمية ونصها شكل وطريقة صناعة وليس من حقنا ان لم نصل الي هذا المستوي ان نتهم الآخرين بالتآمر‏.‏
لكن هل من لم تتم ترجمة اعمالهم ليسوا ادباء من وجهة نظرك؟‏.‏
بالطبع لا‏..‏ فنحن عندنا مشكلاتنا في تقديم أدبنا ونحن المسئولون في الكثير من الاحيان عن التقصير في تقديم الادب العربي فنجيب محفوظ كان يستحق نوبل منذ الخمسينيات وهناك عشرون اسما يستحقون نوبل لو كانت المعايير منضبطة‏,‏ ولكن دعيني أقل إن الأدب الذي لايصلح للترجمة ليس أدبا فالأدب فن انساني عابر لكل الفروق الثقافية‏,‏ اي ان الأديب الحقيقي تقرأ اعماله في العالم كله‏,‏ فإذا كان مقصورا عن ان يقرأ بلغات اخري فهذا الادب ضعيف إن لم يصلح للقراءة بعد عشر سنوات في أماكن اخري فأنت كأديب لديك مشكلة حقيقية وأنت مسئول عنها .
هل كان نجاح رواية يعقوبيان أكبر من شيكاجو؟؟
غير صحيح‏..‏ شيكاجو حققت‏041‏ ألف نسخة في مصر وحققت تغطية وثناء نقديا هائلا‏.‏
رددت أنك تحديت نفسك في شيكاجو‏..‏ كيف؟
أنا أسميها معادلة شيكاجو فقد تعمدت بعد نجاح عمارة يعقوبيان ان أقدم عملا مختلفا لاثبت ان النجاح الذي حدث يخص الكاتب وليس الموضوع فكتبت عن أمريكا ونجحت في أمريكا‏!‏
هل كان فيلم عمارة يعقوبيان سببا في زيادة مبيعات الرواية ؟
غير حقيقي فمن المعروف أن وجود فيلم للرواية لا يؤدي إلي زيادة المبيعات بالعكس وهذا يحدث في العالم كله عدا بلد واحد هو فرنسا وأنا لا أكتب الرواية فحسب ولكنني أدرس الأدب العالمي ولي وكيل أدبي الآن هو أندرو ويلي في نيويورك ويعد من أكبر الوكلاء الأدبيين في العالم وهو وكيل الكاتب التركي أورهان باموك وغيره من أكبر ادباء في العالم‏.‏
هل كان الخروج الي العالمية وترجمة أعمالك مجهود شخصي؟
طبعا‏..‏ فلا يوجد كيان ثقافي مصري فعال‏.