الفن والفكر والعلم سيرورة دائمة تعتمد علي "النقد"، ولهذا يرهب خطاب التحريم من "النقد" ويعادية في الفكر والعلم والفن علي السواء. تاريخ اضطهاد المفكرين والعلماء والفنانين يشهد بذلك.
تحريم الفن في أي خطاب هو أحد تجليات الفزع من الحرية بشكل عام في الخطاب العام. يتجلي هذا الفزع في ظاهرة تتميز بها مجتمعاتنا عن سائر المجتمعات. حين يبدأ كلام عن "الحرية" يبدأ البحث عن "الضوابط"، و"الحدود" "والمعايير". يحدث ذلك قبل أن تبدأ الممارسة، التي هي وحدها الكفيلة بخلق المعايير والضوابط عبر الحوار والنقاش. إن التفكير بالمعايير والضوابط والحدود قبل الممارسة هو بمثابة وضع العربة قبل الحصان، الأمر الكفيل بالتحرك إلي الوراء لا إلي الأمام. دعونا نبدأ ممارسة الحرية أولا ولاتقيدوها منذ البداية بقوانين محكومة بأفق الانسداد الذي نعيشه. إن ضوابط الدين والأخلاق والعرف والقيم ليست ضوابط مطلقة كما يتوهم ذوو النوايا الطيبة، بل هي ضوابط تتحكم فيها معايير السلطة وعلاقات القوة في المجتمع. وفي المجتمعات الشمولية تتحدد المعايير والضوابط وفق مفاهيم السلطة المسيطرة. وكل هذه الضوابط والمعايير المدعاة تستند إلي بنية تحتية عميقة فحواها أولا: أن الحقيقة واحدة لا تتغير في المجتمع وفي الثقافة وفي الفكر، إنها حقيقة مطلقة لا تاريخية.ثانيا: إن هذه السلطة التي تريد وضع الضوابط والمعايير هي وحدها التي تحتكر معرفة هذه الحقيقة. إنه مفهوم "الحاكمية" الديني يتخلل الخطاب العام وإن تم التعبير عنه بمصطلحات أخري مثل "الثوابت الاجتماعية" و"الثوابت الأخلاقية"، و"الثوابت الدينية" … الخ.
نصر حامد ابو زيد