الاثنين، 23 أغسطس 2010

د. قدري حفني : قتل خالد سعيد ليس رسالة من أحد والتعذيب في مصر «ثقافة جماهيرية» | الدستور

د. قدري حفني : قتل خالد سعيد ليس رسالة من أحد والتعذيب في مصر «ثقافة جماهيرية» | الدستور
:

«منذ مقتل المناضل الشيوعي شهدي عطية الشافعي في معتقلات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في يونيو 1960 وحتي مقتل خالد سعيد شهيد الإسكندرية في يونيو 2010 كل شيء تغير إلا شيئا واحدا بقي كما هو: طريقة تعامل السلطة السياسية مع المواطن الذي بقي بلا حقوق، لكن ما اختلف في زمن خالد سعيد هو أن التعذيب والقتل لم يعد داخل السجون والمعتقلات لكنه أصبح سلوكا عاما يمارس في الشوارع أمام أعين المارة، ولم يعد ضد معارضي النظام، لكنه أصبح عنفا سلطويا موجهاً بشكل عام إلي المواطن العادي، وفي زمن شهدي عطية عرف العالم خبر الوفاة من خلال سطور نعيه في جريدة الأهرام والصدفة وحدها هي التي لعبت دورا في وصول الخبر إلي العالم لكن في زمن خالد سعيد عرف العالم أجمع خبر موته من خلال مواقع الإنترنت والمدونات والفيس بوك.

هذه الكلمات وغيرها حدثنا بها أستاذ علم النفس السياسي دكتور «قدري حفني»، كاشفا عن جوهر حادثة مقتل ضحية التعذيب خالد سعيد، ومبينا في حواره مع «الدستور» أن هذه الحادثة التي جذبت اهتمامه بشدة تعكس دلالات تكاد تختصر ما وصل إليه حال المشهد السياسي والاجتماعي المصري الذي وصل إلي أقصي درجات عنفه، نتيجة استمرار منهج السلطة في التعامل غير القانوني وغير الإنساني مع مواطنيها، وإن خرجت الانتهاكات من نطاق المشتغلين بالسياسة إلي نطاق المواطن العادي.

> بين كل الأحداث السياسية الساخنة المطروحة علي الساحة من اعتصامات وتظاهرات وحتي الأزمة بين المحامين والقضاة... لماذا كان أشد ما لفت نظرك هو خبر مقتل خالد سعيد؟

-عندما قرأت هذا الخبر عدت بالذاكرة خمسين عاما وتذكرت ما حدث للمناضل الشيوعي شهدي عطية الشافعي الذي قتل بسبب التعذيب علي يد رجال السلطة... وما بين المشهدين «الشافعي وسعيد» هناك بعض الفروق البسيطة لكن هناك الكثير من التشابهات أهمها هو أن كل شيء يتغير ماعدا السلطة وطريقة تعاملها مع مثل تلك القضايا ، فعندما قتل شهدي عطية كيف عرفت الناس خبر الوفاة؟ من خلال نعي كتبته زوجته في صفحة الوفيات بجريده «الأهرام»، تحت عنوان «فقيد العلم والوطنية» كتبت: ننعي إلي الأمة العربية فقيدها الغالي شهدي عطية الشافعي مفتش اللغة الإنجليزية بوزارة التعليم، وكتبت بيت الشعر الذي يقول «فتي ما بين الطعن والضرب ميتة تقوم مقام النصر أن فات النصر» هذا البيت الشعري الذي اختارته زوجه شهدي عطية هو الذي عرف الجميع أنه قتل، ومصادفة وصلت الجريدة إلي يوغسلافيا حيث كان الرئيس جمال عبد الناصر يشهد احتفال الشبيبة الشيوعية اليوغسلافية، فوقف أحد الشباب الشيوعيين هناك وناشد الحضور الوقوف دقيقه حداداً علي روح المناضل الشيوعي شهدي عطية الذي قتل في معسكرات التعذيب في بلد عبد الناصر، وقتها قام عبد الناصر بإرسال برقية إلي زوجة شهدي قال فيها «إني وراء القتلة» وأوقف التعذيب.

هذا ما حدث في زمن شهدي عطية... أما في قضية خالد سعيد الأمر اختلف، العالم كله عرف عبر الفيس بوك والإنترنت والمدونات وخرجت مظاهرات في دول العالم، ذلك لأن العالم تغير بسبب ثورة التكنولوجيا، لكن مع ذلك هناك شيء واحد لم يتغير بعد وهو رد فعل السلطة عندما قتل شهدي عطية أجري تحقيق في المعتقل وكتب فيه « أنه كان طالع علي السلم فوقع مات» لكن عندما أخذ ناصر القرار وأعيد فتح التحقيق تم الكشف عن تعذيبه.

وهذا يشير إلي أن كل شيء يتغير عدا السلطة، في واقعة خالد سعيد قالوا إنه مات بالخنق بعد ابتلاعه لفافة مخدرات، من الممكن أن تكون تلك الواقعة الجزئية صحيحة لكن الموضوع في التعذيب، وليس سبب الوفاة.

> لكن تهمة شهدي عطية - حسب توصيف نظام ناصر لها - أنه «شيوعي» لكن ما تهمة خالد سعيد، فهل كونه -لو صدق ادعاء الداخلية- متعاطي مخدرات يعد اتهاما يستحق عليه القتل؟

-هذا هو مكمن الخطر لأن السلطة من قبل كانت تحدد أعداءها مثل الإخوان الشيوعيين..الخ، لكن خالد سعيد عدو من؟ هنا أصبح المواطن العادي في حد ذاته عدوا للسلطة.

هنا يبرز ما يسمي بثقافة التعذيب التي أصبحت ثقافة جماهيرية و«كلنا» بنحب التعذيب والعنف أصبح سلوكا عاما يمارس بين كل فئات الشعب حتي بين رجال القانون أنفسهم والدليل هو ما يحدث بين المحامين والقضاة الآن، إذا بحثنا في سبب الأزمة نجد أن جوهر الموضوع هو استرداد الحق باليد والقوة وليس بالقانون جوهر ما حدث بين المحامي ووكيل النيابة والذي فجر الأزمة بين الطرفين هو أن الثاني اعتدي بالضرب علي المحامي - حسب الرواية المعروفة- وعندما تدخل المحامي العام لحل الأزمة والصلح لم يرتض المحامي بهذا الحل والاحتكام إلي القانون وقرر استرداد حقه بيده وقام بضرب وكيل النيابة.

وعما حدث بين القضاة والمحامين كتبت مقالا بعنوان «تحية واجبة لشباب المحامين وشباب القضاة... علمناكم فاستوعبتم الدرس وتفوقتم» فنحن الجيل الأكبر علمنا هذا الجيل أن استرداد الحق «باليد وليس عبر سلطة القانون» وتلك هي مسئوليتنا التي علينا تحمل عواقبها.

> هل تجد إذن في العنف رابطا بين قضية خالد سعيد، وأزمة المحامين والقضاة؟

-الواقعتان شيء واحد من وجهة نظري، والاثنتان نتيجة طبيعية لما عززناه من أفكار تؤكد أن «المحترم والأقوي هو الذي يأخذ حقه بيده» ومن ثم إذا كنت شرطيا ومن الممكن أن تحتكم إلي القانون أثناء القبض علي مجرم، إلا أنه من الأفضل أن تضربه وتعذبه، حتي المحامي ووكيل النيابة والقاضي الكل يسترد حقه بيده.

قديما عندما طرح شعار «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» كان المقصود هنا إسرائيل عدونا الخارجي، لكننا حذرنا من وقتها أن القوة لا تتجزأ وإذا ربينا أطفالنا علي أن استرداد الحقوق بشكل عام لن يأتي إلا من خلال القوة هنا اختصرنا الحق وطرق استرداده في ممارسة العنف.

> لماذا اهتم الناس بحادث خالد سعيد -رغم أنهم لا يعرفونه - ولم يهتموا بما يحدث بين القضاة والمحامين؟

- لأن المحامين والقضاة فئات متميزة ومعروفة، لكن «خالد سعيد» لا يعرفه أحد لأنه مجرد شاب عادي، وهذا ما أفزع الشباب العادي الذي خرج محتجا علي ما حدث معه، لكن خلاف المحامين مع القضاة أمر لا يخصهم، وحتي عندما أضرب المحامون لم يضرب معهم أي مواطن لأنه لا يري ضررا مباشراً عليه.

> لكن حادثة خالد سعيد طرحت بشكل مختلف، فهو أولا شاب عادي حتي انحرافاته عادية أنه كان شابا مشاغبا أدي الخدمة العسكرية وخرج بتقدير ضعيف، لكنه ليس قاتلا، في النهاية مواصفاته هي مواصفات الشاب المصري العادي غير المهتم بالقانون وأصدق أنه يتعاطي المخدرات، لكنني لا أصدق أن يقتل بهذا الشكل، حتي وإن كان فعلا هاربا من الخدمة العسكرية - حسب رواية الداخلية - هل هذا يستدعي قتله، ولماذا هو؟ رغم أنه كان هناك مطرب هارب من الخدمة العسكرية والناس رفعت له اللافتات وقالت له « بنحبك» رغم أنه مزور ومتهرب من الخدمة.

جوهر القضية هو أن ما حدث لخالد سعيد ليس حادثة فردية وما حدث بين القضاة والمحامين أيضا ليس حادثة فردية وإذا اعتبرناهما كذلك فمن المؤكد أنها ستتكرر.

> كل يوم هناك حوادث قتل وتعذيب داخل أقسام الشرطة..لكن لم تخرج مظاهرات احتجاجية كما حدث مع شهيد الإسكندرية.. لماذا؟

- لأن حادثة التعذيب وقعت في الشارع أمام الناس، و الصحف ووسائل الإعلام نشرت صوره بعد الضرب والتعذيب، وأسرته نشرت في المقابل صورة جميلة جداً للشاب قبل التعذيب تثير التعاطف، هذا كله عمل إعلامي واستفز مشاعر المصريين.

أيضا وزارة الداخلية أخذت موقفا دفاعيا و أصدرت بيانا تقليديا أدانت فيه خالد سعيد ووصفته بـ«الحشاش والخارج عن القانون» هذا أمر استفز مشاعر المواطنين.

> هل قتل خالد سعيد بهذا الشكل كان يحمل رسالة من النظام إلي الشعب؟

- كنت أتمني أن يكون الهدف مما حدث هو توصيل رسالة لكن هذا لم يحدث فالرسالة تعني أن هناك جهازا مركزيا يرسل رسالة، لكني متأكد أن ما حدث لا يحمل أي رسالة، أنما تعبير صريح علي أن العنف أصبح سلوكاً عاماً، يمارس حتي دون توجيه أوامر مباشرة، هذا بعكس ما حدث في مقتل شهدي عطية الذي كان فعلا يحمل رسالة أن الشيوعيين مستهدفون، لكن في قضية خالد سعيد لا توجد أي رسالة لأن الرسالة المطلوب توجيهها أصبحت بداخلنا تشبعنا بها وتربينا عليها وأصبح التعذيب سلوكا عاديا.

> بدا في الفترة الأخيرة وكأن هناك صداما مابين القضاة والمجتمع، في البداية كانت هناك أزمة تولي المرأة منصب قاضية بمجلس الدولة، ثم أزمة القضاة والمحامين، ثم الكنيسة والقضاء بعد الحكم بحق المطلقين الأقباط من الزواج.. هل أصبحت هناك أزمة ثقة بين القضاة والمجتمع؟

- في رأيي الأزمة بدأت عندما شاهدت الناس القضاة وهم في مظاهرات، بمعني أنني حينما أشاهد القاضي في مظاهرة وأتضامن معه ثم أتقدم أمامه في المحكمة أليس من الممكن أن يتحيز لي، و العكس لو كنت ضده سيتحيز ضدي، لذلك فمنذ قديم نعرف أن القاضي لا ينبغي أن يري و لا يحتك بالناس لأنه رمز للعدالة والحيادية والانتصار إلي القانون.

> هل تري إذن أن تظاهر القضاة هو الذي هز صورتهم... و ماذا عن القضاة الذين اتهموا بتزوير الانتخابات ألم يكن هذا سببا أدعي لوجود أزمة ثقة بين المواطن والقاضي؟

-هذا بالطبع ترك أثرا، لكن جوهر القضية في أنه حينما يشتبك كقاض في الممارسات اليومية سواء كانت تزويراً أو إدانة تزوير أو رأيه في السياسة أصبح هنا شخصا عاديا مثله مثل أي شخص، هذا هو جذر اهتزاز صورة القضاة.

> وهل هناك أسباب إضافية في أزمة القضاة والمجتمع غير تظاهرات القضاة؟

-ليس تلك هي الأسباب الوحيدة، لكن هناك أسبابا أخري كشفت عنها الأزمة الأخيرة بين المحامين والقضاة فإذا بحثنا في جوهر القضية نجد أن وكيل النيابة حاصل علي «مقبول» والمحامي دفعته حاصل علي تقدير «جيد» ، فالأول أصبح وكيل نيابة والثاني محامياً، هنا جذر الإحساس بالعنف الذي يفجره هو الإحساس بالظلم وغياب الشفافية، حسب ما يعلن رسميا أن هناك دفعة تكميلية من القضاء لأبناء المستشارين ، إذن لو أنا رفعت قضية أمام قاض أتظلم فيها من تعيين شخص علي حسابي بالاستثناء، والقاضي نفسه الذي يحكم معين أصلا بالاستثناء فكيف يكون حكمه؟!

-قديما كان هناك استثناء لأبناء أساتذة الجامعة في التعيينات ونجحنا في إلغائها لكن ماذا عن أبناء المستشارين والقضاة، هناك تساؤلات مهمة إذا لم نجد أجابه عنها سيزداد الإحساس بالظلم في ظل مناخ عام يؤكد علي أن استرداد الحق بالقوة يؤدي إلي أن العنف سيزداد.

لذا فلا أتصور أن المخبرين الذين ضربوا خالد سعيد كانت لديهم تعليمات صارمة من قبل وزارة الداخلية بضربه وقتله، هذا أمر أخطر حيث يؤكد أن العنف أصبح ثقافة الجميع ومنهجاً عاماً بل وسلوكا عاديا في التعامل علي جميع المستويات.

> هل غياب تلك الثقة كانت سببا - من وجهة نظرك - في تشكيك أسرة خالد سعيد ومنظمات المجتمع المدني بل أغلبية الشارع المصري في تقارير الطب الشرعي وبيان الداخلية، بل ولديهم إحساس مسبق أن حق خالد سيهدر؟

-لم ير أحد منا ما حدث مع خالد سعيد وكانت أمامنا روايتان ونفرض أن كلتيهما مقنعتان الرواية الأولي لأسرة خالد سعيد والثانية للداخلية، أنا أقرب إلي تصديق رواية الأسرة، وليس رواية الداخلية لماذا؟ لأن الداخلية هي الطرف الأقوي والأقدر علي التزييف، خصوصاً أن الضحية هذه المرة ليس عليه خلاف فهو لا ينتمي لأي فصيل سياسي، ولا هوية سياسية له فهو واحد من صفوف الجماهير العادية.

> هل التركيبة النفسية لرجل الشرطة اختلفت عما كانت من قبل، بمعني أن من عذب شهدي عطية كان يري أنه عدو للوطن لأنه شيوعي ومن ثم خلق لنفسه مبررا لتصرفه، لكن خالد سعيد لم يكن عدوا فهو شاب عادي ورغم ذلك ضربه المخبر حتي الموت؟

- الناس تعلمت أن الذي يمارس العنف هو الأقوي، ومن ثم لم نعد بحاجة لمبرر أن الذي يعتدي عليه هو فقط عدو الدولة.

إذا أردنا علاج هذه الظاهرة فلابد من ترسيخ ثقافة السلام التي يخشي الجميع الحديث عنها خوفا من اتهامه بالتطبيع، ذلك لأن السلام أصبح ذهنيا مرتبطا بعملية التطبيع، إذا نجحت الصهيونية في شيء فهي نجحت في أن تصدر لنا فكرة التطبيع وإدانة السلام، ذلك لأنها تعرف جيدا أن السلام ضدها ونحن التقطنا تلك الفكرة وتشبعنا بها، حتي وصل الأمر إلي أن من يدعي السلام فهو شخص خائن.

والدليل هل هناك وحشية أكثر من وحشية الإسرائيليين الذين قتلوا النشطاء المدنيين علي أسطول الحرية؟ لا طبعا.. إلا إن إسرائيل تعلن دائما أنها مع السلام ، ونحن نعلن أنه علينا سحب مبادرة السلام، وإسرائيل التي تقتل هي التي تقول إنها مع السلام، ومن ثم الذي نتج عن غياب ثقافة السلام هو انتشار وتعزيز ثقافة العنف التي لم تعد موجهة ضد إسرائيل لكنها أصبحت سلوكا عاما في المجتمع.

> وهل تسمح ثقافة العنف تلك لرجل الشرطة بقوة إضافية؟

-من بين آلاف طلاب الثانوية العامة يتخرج كل من ضابط الشرطة و الحرامي ووكيل النيابة وأستاذ الجامعة والقاضي، بمعني أن ضباط الشرطة ليسوا نسيجا غريبا عن المجتمع، لكنهم إفراز طبيعي لثقافة وتعليم هذا المجتمع، والمناهج التعليمية نفسها التي تم تدريسها بالمدارس، فالجميع أبناء هذه الثقافة، إذن لا يمكن لنا أن نسيد الفكرة ونقول إن رجال الشرطة لديهم عنف، علينا أن نجيب أولا عن هذا التساؤل هل هم أبناء مجتمع وثقافة أخري أم أنهم أبناء البيئة الثقافية والاجتماعية نفسها التي تربينا بها.

> لكن هناك آراء تقول إن التربية الشرطية والمناهج التي يدرسونها داخل كليات الشرطة هي المكون الرئيسي لثقافة العنف لدي الضباط؟

- غير صحيح.. لأن من يدخل كلية الشرطة يلتحق بها وهو بالغ من العمر 18 عاما يعني تشبع بكل القيم والأفكار التي تربي عليها داخل أسرته والمدرسة وتم تشكيل ثقافته ووعيه، الشخصيه تكون أثناء الطفولة والمراهقة، ما بعد ذلك مجرد تفاصيل.

كما إنني قمت بمراجعة مقررات كلية الشرطة، ووجدت أنهم يدرسون مادة حقوق الإنسان، و الحقوق لكنه في النهاية هذا الشرطي ابن مجتمعه، يعود إلي خلفيته الثقافية والقيم التي تربي عليها منذ طفولته.

> هل المناهج التعليمية طرف أساسي في ذلك؟

- هناك ما هو أخطر من المناهج وهو المناخ الثقافي العام الذي يعزز ثقافة القوة وأن الضعيف لا مكان له، والقوة للأغلبية ومن ثم تقمع الأقلية.

> لكن طالما بقيت السلطة للأقوي إذن هذا يعني سقوط دولة القانون؟

-هناك دولة قانون، لكن رجال القانون أنفسهم أبناء ثقافة هذا المجتمع وهي ثقافة العنف، لذا علينا أن نشغل أنفسنا بالسؤال الأهم وهو وماذا بعد؟

> و ماذا بعد وكيف نواجه ذلك من وجهة نظرك؟

-أعيد صياغة الثقافة العامة والتأكيد أن السلام هو الثقافة البديلة للعنف وهو الحل بدون خجل وإذا كانت الناس تروج أننا استعدنا سيناء بالقوة فهذا غير صحيح بالقوة استعدنا 15 كيلو وبالمفاوضات استعدنا باقي أراضي سيناء وبالتحكيم الدولي أخدنا طابا، من لديه كلام خلاف ذلك يرد به.

بالقوة لم ندخل تل أبيب ولم نصل رفح، أحدثنا خسائر كبيرة في الجيش الإسرائيلي أحدثت له صدمة علي أساسها تفاوضنا فتم الرجوع من قبل العدو لحدودنا الدولية ثم لجأنا إلي المحكمة الدولية لاسترداد طابا... تلك هي حقيقة ما حدث وهذا ما لا يقال لأن هذا يكسر فكرة العنف ويؤكد أن المفاوضات والتحكيم الدولي من الممكن أن تأتي بنتائج.

> لكن المفاوضات أحيانا كثيرة لاتصل إلي نتائج والدليل اعتصامات واحتجاجات العمال أمام مجلس الشعب؟

-كان هناك إضراب في كفر الدوار اشترك فيه 20 ألف عامل، كان إضرابا منظما نقابيا ليس له أي طابع سياسي حل بالمفاوضات، كلا الطرفين العمال وصاحب العمل وصلا إلي حل وسط يرضي الطرفين، لم يركز أحد علي دراسة ما حدث، وحتي إضراب الضرائب العقارية نجح، لأنهم خاضوا مفاوضات طويلة حققوا من خلالها مكاسب جيدة.

أما عمال «أمونسيتو» فاعتصم منهم عدد محدود أمام مجلس الشعب، من ثم أصبح الأقلية هم الغاضبين أما الأغلبية هي التي ارتضت إلي ما انتهت إليه المفاوضات الأولي، لذا لم يهتم بهم أحد، لو تصورنا إضراب الضرائب العقارية كان بعدد محدود هل سيكون لها النتائج نفسها التي حققوها من المؤكد لا، ذلك لأن قوتهم من عددهم وأن الجماعة علي قلب رجل واحد وتلك هي قوانين الإضراب.

> كيف كانت قراءتك لمشهد الاعتصامات المتتالية أمام مجلس الشعب وهتاف البعض ضد أعضاء المجلس؟

-لفت انتباهي ما هو أخطر من وجهة نظري، وهو أنني شاهدت هؤلاء مضربين ويهتفون والمرور يسير والناس تمر من أمامهم دون أن يتضامن معهم أي شخص عادي، لماذا لم يتعاطف الناس معهم؟ لأن الاعتصام عندما يكون محدود العدد لا يجد تعاطفا.

كما أن مشهد الاحتجاجات والاعتصامات بشكل عام في مصر أمر مهم وجيد،وتلك ظاهرة لم تعرفها البلدان العربية باستثناء لبنان وفلسطين، وباقي الدول العربية ما زال أمامهم نصف قرن حتي يعرفوا المظاهرات، وهذا ليس معناه أنهم سعداء بما هم فيه الآن، لكن مصر رغم كل المشكلات التي تمر بها لكنها أكثر الدول العربية تحضرا«شعبا وسلطة»، رغم أن السلطة تقاوم المظاهرات لكن مقاومتها لها ليس كما يحدث بدول أخري تقاوم مجرد التفكير في تنظيم المظاهرات، في مصر مدونات في حين أنها محظورة في كثير من البلدان العربية، هذه ظاهرة إيجابية تحسب لنا ولو كانت المدونات تحت المراقبة وهي ممكن أن تكون كذلك، من الممكن أن تكون السلطة تستفاد من هذا الوضع وتتباهي به لكن في النهاية يحسب لها.

> هل ضعف عدد المتظاهرين فقط هو الذي لا يثير تعاطف الناس معهم أم لأنهم يطالبون بمطالب خاصة جدا تخصهم و حدهم ولا تعبر عن مشكلات الأغلبية؟

- البعض يوصف هذا بأنه احتجاجات مطلبية، وأن المظاهرة الحقيقية هي التي تكون علي أساس مطالب سياسية، أما المظاهرات في كل دول العالم فأغلبها مظاهرات مطلبية، وليست سياسية بمعني أنه لا ينبغي أن نحتقر المظاهرات القائمة علي مطالب فئوية لأنها أمر مهم.

> السؤال التقليدي الذي لا نمل من طرحه وهو لماذا لا يثور المصريون؟

-الثورة لها قوانين وهي أن يعي الشخص بظلمه، ثانيا لا يوجد أي أمل في بقاء الوضع عما هو عليه، وأن يكون هناك أمل في أن الثورة ستحقق الهدف المطلوب تلك هي الشروط الرئيسية التي تدفع إلي الثورة وبدونها لن تحدث.. وتلك القوانين لم تتوافر بعد لدي المصريين.

> ألا تعتبر احتجاج المصريين علي ما حدث لخالد سعيد شكلا من أشكال الثورة أو خطوة نحوها؟

-من خرجوا احتجاجا علي ما حدث لخالد سعيد اتخذوا موقفا جيدا لكن علينا أن نسأل أنفسنا في البداية هل هم خرجوا احتجاجا علي العنف والظلم بشكل عام أم احتجاجا علي هذا الشكل تحديدا من فقط أم ضد العنف بشكل عام

الأحد، 22 أغسطس 2010

فى حواره لجريدة الأهرام الأسواني‏:‏ العلمانية لفظ سييء السمعة

فى حواره لجريدة الأهرام الأسواني‏:‏ العلمانية لفظ سييء السمعة: "
"

كتبهاعلاء الأسوانى ، في 22 أغسطس 2010 الساعة: 14:32 م

الأسواني‏:‏ العلمانية لفظ سييء السمعة
حوار‏:‏ دينا توفيق
تصوير محمد مصطفى
جريدة الاهرام
22أغسطس 2010
العلمانية صارت لفظا سييء السمعة‏,‏لكنها في واقع الامر ليست ضد الدين‏,‏ فحتي وفاة الرئيس عبدالناصر كانت ممارسة الدين ليس لها علاقة بالمشروع السياسي‏.
مؤكدا أنه روائى لديه أفكار سياسية وليس سياسيا يكتب روايات
كانت رواية عمارة يعقوبيان تميمة نجاحه الكبير
فقد أقبل عليها القراء من كافة المشارب‏,‏ وانشغلوا بشخوصها واحداثها‏,‏ وتعقبوا خفاياها‏,‏ فتعددت طبعاتها بشكل يفوق كل التوقعات‏,‏ وترجمت الي لغات عالمية متعددة‏,‏ ووزعت في الغرب مئات الآلاف من النسخ‏,‏ وحققت له شهرة تقارب نجوم السينما‏.‏ وتحولت الي فيلم‏,‏ ومسلسل‏,,‏ وبات يعرفها العامة مثل النخبة‏,‏ ويحلو للبعض ان ينسب اليها الفضل في اعادة الاعتبار للأدب وفعل القراءة وتوسيع لأقصي مدي‏.‏
واثبتت روايته الثانية شيكاغو قدرته علي تجاوز مأزق العمل التالي علي نجاح كبير‏,‏ وهو اختبار كبير للمبدعين الجادين‏,‏ وحظها لم يكن اقل من سابقتها‏,‏ وحققت في مصر والدول العربية والخارج مبيعات اكبر من عمارة يعقوبيان‏.‏
هو الآن امام مشكلة العمل الثالث الذي يجلو الموهبة ويدشن صاحبه مبدعا معتمدا لدي الخاصة والكافة؟‏!‏
مستوي الروايتين يشير بوضوح الي ان قدرات علاء الأسواني باتت خارج المأزق‏,‏ وبعيدا عن أفق الاختبار الضيق‏,‏ حيث تحلق في فضاءات الإبداع الرحبة‏.‏
وازداد اهتمامه بالشأن العام‏,‏ ومن المنادين بالديمقراطية والحريات والتغيير السلمي‏,‏ وان كان لايحب ان يصفه البعض بالناشط السياسي لانه بالاساس روائي لديه رؤي ومواقف سياسية‏,‏ وليس سياسيا يتعاطي الادب‏,‏ لكنه بات من اعلام المجتمع المصري بعد ماحازه من نجاح وشهرة يضعها في خدمة بلده‏,‏ ويحرص في المنتديات الثقافية التي يدعي اليها في الخارج ألا يتحدث في السياسية‏,‏ بل يقبل علي الجميع بصفته اديبا‏.‏ اجتمعت له خبرة الحياة‏,‏ وطب الاسنان‏,‏ والادب‏,‏ والثقافة واختلطت بوجدانه فقدمت لنا مبدعا جادا‏,‏ يتوفر علي مشروعه بثقة ودأب ومهارة‏.‏
أنت تثير التساؤلات سياسيا وأديبا‏,‏ فهل روايتك الجديدة مرشحة لإثارة الجدل مثل يعقوبيان وشيكاغو؟
الرواية تدور عن مصر في الاربعينيات‏,‏ في جزء منها تاريخية‏,‏ وأناقش فيها كل القضايا التي تشغلنا حتي الآن كالطبقية والظلم الاجتماعي وعلاقتنا بالغرب وهل نحن نستحق العدل الذي أراه موازيا للديمقراطية ام لاب‏.‏
وهل هذه القضايا مازالت موجودة وتستحق المناقشة؟
السؤال الانساني موجود منذ وجد الانسان‏,‏ ومنه السؤال المصري الذي نطرحه حول العدل وعلاقة الفقراء بالأغنياء‏,‏ وللأسف حين نعود الي القضايا المثارة منذ الأربعينيات نجد أنه لم يتم حلها للآن ومنها علاقة المصري بالتراث والشريعة الاسلامية ونوع الدولة التي نريدها سواء دولة مدنية ام اسلامية؟؟
ما الدولة المدنية من وجهة نظرك؟
هي الدولة التي لايرتب فيها الدين حقوقا سياسية‏,‏ فأنت مواطن لأنك تنتمي الي هذه الدولة بغض النظر عن ملتك ودينك ولك فيها كافة حقوق المواطنة امامها سواء كنت مسلما ام مسيحيا ام بهائيا‏,‏ المؤسسات فيها لاتقوم علي اساس ديني‏.‏
أي دولة علمانية؟
‏ لنضرب مثالا بالوفد الذي يعد اكبر ظاهرة حزبية في تاريخ مصر‏,‏ والذي للأسف لم تتم دراسته بالشكل الكافي حتي من جانب المنتمين اليه والقائمين عليه الآن‏,‏ فقد كان الوفد حزبا مدنيا ديمقراطيا يسعي لاقامة دولة مدنية وكان مصطفي النحاس باشا متدينا ويوقف اجتماعات الوفد لاقامة الصلاة وكان يؤدي كافة العبادات ولايفوت فرضا‏,‏ وهناك واقعة شهيرة له عندما اراد احمد حسين اطلاعه علي برنامج حزب مصر الفتاة ومن مجرد نظرة واحدة الي الورقة قام بطيها وأرجعها اليه قائلا بانه لن يقرأها لانه بدأ باسم الله وانه عندما يضع لفظ الجلالة في برنامج سياسي‏..‏ يبقي دجال‏.‏
يتم النظر اليك كناشط سياسي من جانب الكثيرين‏,‏ وما رأيك ؟
لا أحب لقب الناشط سياسي وترجمتها‏activist,‏ في العالم الديمقراطي يعمل في مناخ ديمقراطي وما أقوم به من عمل عام تجاه البلد الآن اعتبره واجبا وطنيا واذا تحققت الديمقراطية بمعناها الشامل سأفقد الاهتمام‏,‏ فأنا اعمل لان هناك موقفا يدفعني للاشتراك في العمل‏.‏
لكن هل يتم التعامل معك في الغرب باعتبارك ناشطا سياسيا بجانب الاديب؟
لاطبعا‏..‏ أنا حريص جدا‏,‏ ولا أدلي بأية احاديث سياسية في الخارج اطلاقا لأسباب مهنية ولأني عرفت ونجحت كروائي ؟ وسمعت مشورة أصحاب دور النشر الكبري التي تنشر لي بألا أقدم نفسي بغير صورتي‏,‏ فأنا روائي بالأساس لديه افكار سياسية ولست سياسيا يكتب روايات‏,‏ ولست ناشطا سياسيا ولا أسعي للرئاسة واي حوار معي يكون أدبيا او عن المجتمع المصري‏,‏ ربما يكون في الحوار سؤال او اثنان عن السياسة‏.‏
تتحدث دوما عن دور المثقف ودفع عجلة الثقافة فمن هو المثقف من وجهة نظرك؟
الانسان لايتجزأ‏,‏ فلا يمكن ان يكون فنانا او أديبا ويقف مكتوف اليدين فيما يخص قضايا شعبه ووطنه‏,‏ وأنا شخصيا اشارك بالكلمة والفعل قدر الاستطاعة وأسعي الي طرح المفاهيم وعندي ندوة اسبوعية منذ عام‏1996‏ قدمت من خلالها أدباء كثيرين أصبحوا نجوما المشكلة الرئيسية ان الثقافة المصرية قوية جدا لكننا لاندرك قيمة انفسنا‏.‏
ما الثقافة بشكل محدد؟
ثقف تعني في اللغة شذب وهذب وهي تستخدم للغصن والسيف‏,‏ والمثقف يملك رؤية تؤدي به الي موقف وهذا في العالم كله‏,‏ فهناك فرق بين المثقف وصاحب المعلومات حيث يوجد كتاب معروفون كثيرون غير مثقفون لانهم لديهم معلومات لم تتبلور في مواقف من الحياة عشنا تحت وطأة هذا التعريف للمثقف زمنا طويلا فصار هناك مثقف في بلادنا بدون موقف وهو لايساوي شيئا‏.‏
هلا أعطيتنا أمثله تدل علي صحة كلامك؟
الذين وقفوا ضد حرب الخليج هم أفضل المبدعين في السينما والشعر والمسرح كمدافعين عن قيم العدل والحرية‏,‏ وما فعله اهم روائي علي قيد الحياة الآن وهو الكاتب الكولومبي الكبير جارسيا ماركيز من أجل القضية الفلسطينية يؤسفني ان أقول إنه ربما أكثر فاعلية من مواقف كتاب عرب كثيرين وللأسف كان ذلك موجودا في مصر قبل السبعينيات وقد دفع المثقفون المصريون الثمن من أجل آرائهم مثل حسن فؤاد وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس وغيرهم وحتي نجيب محفوظ كان قد كتب ثرثرة فوق النيل وميرامار أيام عبدالناصر وكانتا أقوي من مائة مظاهرة ولابد ان نقر بأن مواقف المثقفين المصريين معروفة ومنها ما قاله الرئيس السادات بأن بيان دعم الحركة الطلابية الذي وقع عليه نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويشرفني ان والدي الكاتب عباس الاسواني كان معهم وغيرهم‏,‏ هذا البيان كان من الأسباب الرئيسية التي عجلت بحرب اكتوبر فالمثقف غير صاحب الحرفة‏.‏
في الوسط الثقافي من لايفضلون أعمال علاء الاسواني وينظرون إليها كأنها مجرد طرح رؤي اجتماعية تقوم فيها بمجرد كشف المستور والحرفة الأدبية فيها غير مكتملة كيف تري هذه الانتقادات؟
الحمد لله أخذت مايكفيني لسنوات قادمة من كبار النقاد في مصر منذ أعمالي الأولي‏,‏ وان كنت أري انه أولي بنا كمنادين بالديمقراطية ان نبدأ بأنفسنا‏,‏ فكل إنسان له حريته ومايراه‏,‏ ولقد أخذت من الحفاوة ما يجعلني غير محتاج لشهادات نقدية إضافية‏.‏
هناك عدم احتفاء بفكرة الاكثر مبيعا التي اشتهرت بها؟
أن يتحول الاقبال علي أعمالي الي شيء سلبي فهذا شيء مدهش‏!‏ وان كان صحيحا أن الاقبال علي الأعمال لايعني أنها الأفضل‏,‏ إذن فالنفور منها لايعني بالضرورة أنها أعمال أدبية سيئة فمثلا الشاعر الكبير محمود درويش أهم الشعراء العرب ووصل الي درجات من المبيعات لم يصلها شاعر في الشعر العربي علي الاطلاق وكذلك صلاح جاهين وجارسيا ماركيز الذي لم يكن فقط الأعلي مبيعا ولكنه غير أرقام البيع في تاريخ الأدب فقبله كانت الرواية تبيع من‏5‏ إلي‏10‏ ملايين نسخة قفز هو بها الي‏50‏ مليون نسخة فلو الرواية يقرؤها‏3‏ افراد فقط صار هناك‏150‏ ملايين قارئ لكاتب واحد يشكلون جمهورية جارسيا ماركيز وبالتالي فعلي من يطرحون تلك المفاهيم ان يراجعوها‏.‏
ما دوافعهم لمهاجمتك؟
حتي أكون منصف نحن في مجتمع محبط وأي مواطن مصري يسير في الشارع يعتقد يقينا انه يستحق اكثر مما هو فيه‏,‏ وهناك في علم النفس معادلة التعايش مع الاحباط‏,‏ وفيها يري الشخص انه موهوب وانه لم يأخذ حقه فيحيل ذلك الي البلد والمجتمع وأنهم السبب في مشاكله الشخصية ولو نجح احدهم في الخارج يمنح البعض المبرر بأنه في الخارج ولكن في المقابل لو نجح شخص من نفس البلد الذي بدأ معك وتترددون يوميا علي نفس الامكنة والندوات فتحدث المشكلة فجزء من هؤلاء يكرهونك فعلا لانك تفسد عليهم تعايشهم مع الاحباط وتثبت لهم انهم كان من الممكن ان يحققوا نجاحا مثلك وتكشف لهم تقصيرهم وقلة قدرتهم‏.‏
وهل اعتدت علي هذا وتعايشت معه؟
كنت أنزعج ولكني تعايشت‏..‏ ولي ناشر فرنسي قال لي بالحرف‏..‏ لم ار كاتبا يثير غيرة الآخرين من الكتاب المصريين والعرب مثلك‏!!‏ وانني رغم كل شيء متفهم موقفهم وبواعث الغيرة الأدبية وإن كنت أري أنهم يجب ان يغيروا مفاهيمهم لأن مهمتهم أصبحت صعبة بسبب الاعتراف الأدبي الدولي بي والرقم موثق حيث تمت ترجمت اعمالي الي‏29‏ لغة في‏87‏ طبعة ووصلت المبيعات الي مليون نسخة في غير اللغة العربية‏,‏ ويجب ان نعترف بعدم وجود الادب المصري علي الخريطة العالمية عدا استثناءات قليلة مثل نجيب محفوظ وجمال الغيطاني وبهاء طاهر‏.‏
لماذا يقل تواجدنا من وجهة نظرك؟
الفكرة ان الادب العالمي له معايير للمنافسة وكيفية كتابة الرواية العالمية ونصها شكل وطريقة صناعة وليس من حقنا ان لم نصل الي هذا المستوي ان نتهم الآخرين بالتآمر‏.‏
لكن هل من لم تتم ترجمة اعمالهم ليسوا ادباء من وجهة نظرك؟‏.‏
بالطبع لا‏..‏ فنحن عندنا مشكلاتنا في تقديم أدبنا ونحن المسئولون في الكثير من الاحيان عن التقصير في تقديم الادب العربي فنجيب محفوظ كان يستحق نوبل منذ الخمسينيات وهناك عشرون اسما يستحقون نوبل لو كانت المعايير منضبطة‏,‏ ولكن دعيني أقل إن الأدب الذي لايصلح للترجمة ليس أدبا فالأدب فن انساني عابر لكل الفروق الثقافية‏,‏ اي ان الأديب الحقيقي تقرأ اعماله في العالم كله‏,‏ فإذا كان مقصورا عن ان يقرأ بلغات اخري فهذا الادب ضعيف إن لم يصلح للقراءة بعد عشر سنوات في أماكن اخري فأنت كأديب لديك مشكلة حقيقية وأنت مسئول عنها .
هل كان نجاح رواية يعقوبيان أكبر من شيكاجو؟؟
غير صحيح‏..‏ شيكاجو حققت‏041‏ ألف نسخة في مصر وحققت تغطية وثناء نقديا هائلا‏.‏
رددت أنك تحديت نفسك في شيكاجو‏..‏ كيف؟
أنا أسميها معادلة شيكاجو فقد تعمدت بعد نجاح عمارة يعقوبيان ان أقدم عملا مختلفا لاثبت ان النجاح الذي حدث يخص الكاتب وليس الموضوع فكتبت عن أمريكا ونجحت في أمريكا‏!‏
هل كان فيلم عمارة يعقوبيان سببا في زيادة مبيعات الرواية ؟
غير حقيقي فمن المعروف أن وجود فيلم للرواية لا يؤدي إلي زيادة المبيعات بالعكس وهذا يحدث في العالم كله عدا بلد واحد هو فرنسا وأنا لا أكتب الرواية فحسب ولكنني أدرس الأدب العالمي ولي وكيل أدبي الآن هو أندرو ويلي في نيويورك ويعد من أكبر الوكلاء الأدبيين في العالم وهو وكيل الكاتب التركي أورهان باموك وغيره من أكبر ادباء في العالم‏.‏
هل كان الخروج الي العالمية وترجمة أعمالك مجهود شخصي؟
طبعا‏..‏ فلا يوجد كيان ثقافي مصري فعال‏.

الخميس، 19 أغسطس 2010

Facebook | رجل الشارع

Facebook | رجل الشارع

التقي المواطن (محدود الدخل) بـــ ( المرأة العاملة ) فتزوجا وأنجبا(الطالب المتوسط) الذي تأتي الامتحانات عادة في مستواه !!!

نجح الطالب المتوسط وأنهي تعليمه وأصبح (رجل الشارع)

تمر الأيام وهو يستمتع بخطة الإصلاح التي تبنتها الحكومة والتي لا نملك دليلا واحدا عليها سوي (سيتي ستارز).

كبر رجل الشارع وأصبح يقرأ الصحف القومية بالطريقة نفسها التي ينظر بها إلي النساء (من الخلف للأمام)، يقرأها هكذا لأن الصفحة الأولي التي تحمل مانشيتات الحكومة فقدت مصداقيتها وبمرور الوقت أصبحت تعبر عن وطن آخر غيرالذي يعيش فيه

رجل الشارع غير مهتم بالبرادعي ولا التوريث ولا حتي نشرة الأنباء الجوية ولا يهتز لانهيار البورصة،هو فقط مهتم بلقمة العيش، ويشعر طول الوقت أن وزير المالية ( باصص له ) في هذه اللقمة للدرجة التي أرهقت عيون الوزير وجعلته ينفق علي علاجها أكثر من مليون جنيه علي نفقة الدولة !!!رجل الشارع حُرم في طفولته من سماع جملة(ادخل أوضتك لانه ليس له غرفة اصلا)لكنه سمع كثيرا (ماشوفش وشك في الأوضة دي تاني)،ولم يحظ بمشاهدة دجاجة كاملة علي الطبيعةفهو يعرف الاجنحة والأرجل أكثرمن أي شئ ويعتبر الجولف نوعا من أنواع الدعارة،

.

وكان كلما سأله أحد (نفسك تطلع إيه لما تكبر؟)يجيب قائلاً (نفسي أطلع من دلوقتي)لا يتعامل مع الحكومة إلا في أضيق الحدود وعندما كان يطلب مساعدتها كان يكتفي بأن يرن عليها، لكن الحكومة في كل مرة كانت لا تتردد في أن تفتح عليه، لم يقع أبدا في دائرة الشذوذ، لكنه عندما ذهب لاستخراج بطاقة وقف أمام خانة النوع وكتب ( مذكر سلبي ) فهو غير فاعل.

رجل الشارع أصبح بمرور الوقت ضحية لأكبر مشروعين في مصر حالياً، مشروع معامل التحاليل ومشروع استوديوهات التحليل،

تطل عليه إعلاناتهما بكثافة من كل مكان يذهب إليه الأولي في الصباح في محاولة لأن يعرف لماذا أصبح يشعر أنه عجوز في هذه السن المبكرة؟! ومساء تأتي إليه الثانية محملةبالعواجيز ليساعدوه في فهم ما الذي سيضيفه جمال حمزة للنادي الأهلي بعد التوقيع له !!!أقلع رجل الشارع عن التدخين بعد أن وضعت له الحكومة علي علب الدخان صورة موحية وتحذير من الأثر السيئ للتدخين علي العلاقة الزوجية،رجل الشارع غير متزوج (بس خاف علي العدة)،

رجل الشارع لم يتزوج، لا لأنه لم يجد فتاة ترضي به ( بالعكس فتيات طبقته الاجتماعية يرحبن بأي عريس حتي لو كان عاطلا عن العمل..حتي وهن متأكدات أنهن سيتولين الإنفاق علي البيت )



الأربعاء، 18 أغسطس 2010

أحمد خالد توفيق: عودة إلى سيد حبارة

أحمد خالد توفيق: عودة إلى سيد حبارة
هذا المقال نشر لي منذ أعوام.. لعله المقال الثالث لي في الدستور اليومي، لكنني أتذكره بقوة هذه الأيام وأنا أقرأ كلام د. علي الدين هلال عن قدرة الحكومة علي جمع خمسة ملايين توقيع تطالب بعدم تغيير الدستور.. وبالمنطق نفسه تخرج المظاهرات دامعة تتوسل لجمال مبارك أن يحكمنا.. إلخ.. عندها عاد لذهني اسم سيد حبارة.. الاسم وهمي طبعًا لكنك سوف تعرفه بالتأكيد.. تراه في كل مكان.. تعرفه من شاربه والنظرة الخبيثة علي وجهه، والطاقية البيضاء التي لا ينزعها عن رأسه أبدًا لأنها (من الحجاز).. تعرفه من الدراجة التي يصر علي أن يركبها عكس اتجاه المرور.. ينظر راكب السيارة لليسار، متحينًا بكل حواسه فرصة يخطفها كالقط وسط سيل السيارات المنهمر.. عندما تحين الفرصة يثب بالسيارة، ليفاجأ بسيد حبارة مندفعًا كالسهم علي دراجته قادمًا من اليمين.. فليجرب أحد راكبي السيارات أن يلمس حبارة في هذه اللحظة، ولسوف تنهمر عليه قائمة فريدة من الشتائم تتعلق بنشاطات أمه الجنسية. إن حبارة يحمل حقدًا هائلاً نحو راكبي السيارات، وفي أول ثورة أو انتفاضة أو شغب سوف يحرق سيارتين أو ثلاثًا قبل أن يعرف سبب الشغب


سوف تعرف حبارة وهو يركب دراجته في الأيام المطيرة وقد أدخل سروال البذلة في الجورب حتي لا يتسخ، وهو يطلق علي هذا لفظ (التقفيز) وقد تعلمه من أيام الجيش.. يلبس كل ثيابه ويلف حول عنقه كوفية صوفية كأنه في سيبيريا لأنه يؤمن أن البرد هو منبع كل الأمراض.. ولسبب ما يصر علي أن يلبس بذلة كاملة في أيام المطر هذه.. سوف يتطاير عليه بعض الوحل من سيارة تمر بجواره، فيتوقف علي الفور ويطلق سبة بذيئة ويلتقط «قالب طوب» من علي الأرض ليقذفه في الزجاج الخلفي للسيارة.. من أهم صفات (سيد حبارة) أنه لا يملك نفسه ساعة الغضب، ولا تهمه العواقب ما دام سيفش غله لحظيًا

ـ(حبارة) عامل في مصنع أو موظف في إدارة حكومية ما ، وهو لا يمارس أي عمل تقريبًا سوى نقل القيل والقال وكيف إن (الملاحظ / المفتش / رئيس القلم) رجل مسخرة ديوث تلعب به زوجته كما تشاء.. يتبادل الدعابات الجنسية مع زملائه خاصة فيما يتعلق منها بليلة الخميس والكوارع وضعف الرُكب والجمبري.. هنا يطلب منهم رئيسهم مهمة ما فيثور ويختلق مشكلة ويقف لساعات صائحًا: مش منفذ.. لو الوزير نفسه جه دلوقتي مش منفذ

تنتهي هذه الضوضاء عند أول شخطة حقيقية من (الملاحظ / المفتش / رئيس القلم)، فينفذ لكن حقده يتزايد، ومعه يؤلف المزيد من الحكايات البذيئة عن المفتش ذي الميول الشاذة جنسيًا أو الملحد

ـ(سيد حبارة) قد أيد كل العصور في مصر لكنه يكره الحكام كراهية عمياء.. لا يوجد تناقض هنا.. إنه يكره عبد الناصر بشدة لسبب لا يذكره، لكنه يرى صورته في فيلم أو مسلسل فيصفق له بحماس.. كان يكره السادات ثم مر موكب السادات أمامه فوجد نفسه يصرخ هاتفًا: بالروح.. بالدم . نفديك يا سادات

منذ أعوام طويلة جاءت مذيعة تليفزيون تسأله عن الشيء الذي لا يروق له في برامج التليفزيون، فقال العبارة التي أعدها وحفظها وسمعها لنفسه عدة مرات: التليفزيون مش بيقدم وعي اشتراكي للناس.. عبارة لا يفهمها لكنه يحفظها ويشعر بأنها عميقة

بعد أعوام قابلته مذيعة أخرى وسألته عما لا يروق له فقال في حماس واللعاب يتطاير من فمه: التليفزيون ما قدمش حاجة تناسب 6 أكتوبر

منذ عام جاءت مذيعة أخرى تسأله عن رأيه فقال : التليفزيون بيقدم مناظر عريانة
برغم هذا هو لا يفوت منظرًا واحدًا من تلك المناظر علي الفضائيات التي تأتيه بـ (الوصلة).. يتابع المنظر بعين جاحظة حمراء توشك علي الخروج من محجرها.. وهذه الشهوة تتحول إلي حقد والحقد يتخذ طابع الورع المشمئز الغاضب.. هو يشتهي الفنانات جدًا إلي درجة المقت.. وهو يتمني بالفعل أن يراهن يغتصبن ويمزقن.. وأسعد لحظة في حياته هي عندما يسمع عن القبض علي واحدة منهن في قضية آداب.. «هؤلاء القوم يملكون الثروة والجمال والنفوذ لكنهم يفتقرون إلي الدين والأخلاق ويعيشون كالخنازير، ورجالهم يفتقرون إلي الدم الحامي والنخوة، لهذا نحن أفضل منهم».. وللأسباب نفسها لا يترك حبارة سائحة أجنبية تمر به أبدًا.. يشعر أن واجبه أن يتحرش بها، وهذا يعطيه انتشاء ذا طابع ديني لا شك فيه.. من الناحية الدينية (سيد حبارة) لا يمارس الشعائر بأنواعها، لكنه متعصب بلا حدود باعتبار التعصب من شروط التدين الصحيح، وهو غير مستعد البتة لقبول الآخر.. مستعد لتصديق أي شيء يسمعه.. تعصب بلا حدود من دون أن يفعل شيئًا واحدًا يثبت به أنه مسلم فعلاً كما أراد له الرسول (صلى الله عليه و سلم).. لهذا من السهل جدًا أن تجد سيد حبارة في أي مظاهرة بشرط أن يكون لها سبب ديني.. كنت أكلم صديقي عن مستقبل المفاعلات النووية في مصر، ثم توقفنا وقد أفزعتنا فكرة أن المفاعل سوف ينشئه المهندس الصيني (وانج هاو تشين) أو الألماني (فرانتس هوفمان) أو الروسي (ميخائيل سولوفيتش)، لكن إجراءات السلامة في النهاية سوف تقع علي عاتق (سيد حبارة) !.. يمكنك تخيل منظر المفاعل الموشك علي الانفجار، بينما (سيد حبارة) يؤكد أنه سلم العهدة وأن دفتر 118 ليس معه، وأن المفتاح مع النوبتجي المناوب، وأن الملاحظ خصم له ثلاثة أيام دون وجه حق.. إلخ

في كل الاستفتاءات والانتخابات يعد سيد حبارة مخزونًا استراتيجيًا للحكومة ..حتي من دون تزوير أو تلاعب في أوراق التصويت، يصدر (الملاحظ / المفتش / رئيس القلم) أمرًا للعاملين بالتوجه إلي اللجان، ويتم شحن (حبارة) هو ورفاقه من (السيدات حبارة) في أتوبيسات إلي لجان الانتخاب وهم يهتفون مؤيدين شيئًا ما.. ثم ينزلون إلي اللجان ليصوتوا بـ (نعم) ويرفعوا عريضة مكتوبة بالدم - دم الدجاج غالبًا - تؤيد أي شيء حتي لو كان قانونًا لمنع التنفس أو منع دخول دورة المياه.. عند الظهيرة يطير فرحًا بذلك الكيس الورقي الذي يحوي علبة عصير و(شاندوتش).. سيد حبارة لعب دورًا مهمًا في التصويت علي التعديل الدستوري الأخير، ونحن نعرف ما سيحدث بالضبط يوم التصويت علي التوريث المقبل.. سوف تخرج عشرات الأتوبيسات تحمل لافتات التأييد والمبايعة والموافقة.. الكثير من الهتاف.. عريضة بالدم تبايع الابن على طريق الأب.. وهكذا تفيق لتجد أن أسوأ كوابيسك قد تحقق وأن هناك إجماعًا ساحقًا لدى الشعب المصري علي التوريث ..لا يوجد تزوير هنا.. سيد حبارة هو من قال نعم

هذا ما يقدر علي عمله (سيد حبارة).. إنه بالتأكيد أكثر تأثيرًا وأعلي صوتًا مما يقدر علي عمله عشرون أفنديًا بالنظارات يقفون هاتفين علي سلالم نقابة الصحفيين، بينما تحيط بهم ثلاثون عربة بوكس خضراء

الآن أنت تعرف من هو (سيد حبارة).. (سيد حبارة) هو المصري العادي الذي يملأ الشوارع.. من قال إن الإنسان المصري ما زال كما كان؟.. لقد تغير كثيرًا جدًا.. إنه نتيجة بائسة لسنوات من القهر والجهل والتخلف، لكنه برغم هذا قوي جدًا بحكم العدد ويمكنه بالتأكيد أن يحدد مصير هذا البلد لأعوام مقبلة.. لقد صنعته حكومات متعاقبة وظروف اقتصادية وسياسية تفوق الوصف، لكن (سيد حبارة) هو من يفرز الحكومات لأن الشعب يستحق الحكومة التي تحكمه.. وهكذا.. دائرة شيطانية لا تنتهي.. المزيد من سيد حبارة.. المزيد من التأييد.. المزيد من الحكومات الفاسدة.. المزيد من سيد حبارة.. وهكذا

والآن أنت تعرف من سيقول نعم، وكيف سنفيق لنجد أنه تم توريثنا فعلاً
احمد خالد توفيق

ابراهيم الرفاعي و بكاء ابراهيم عيسي علي الهواء 2/2

فى حسد سكان القبور | المصري اليوم، أخبار اليوم

فى حسد سكان القبور | المصري اليوم، أخبار اليوم

لماذا يعتقد الناس أن هذا الكاتب جرىء وذلك الكاتب جبان؟ هل هناك حقا كاتب جرىء؟ هل هناك مجتمع يمكن أن يوفر لنا الحرية الكاملة لإعلان كل ما نريد قوله، ومتى يجد الإنسان حريته الكاملة التى منحها الله له ويسلبها منه البشر؟ أسئلة أترك الإجابة عليها لعمى وعم الكتابة الأديب الأمريكى العظيم مارك توين، الذى كتب منذ عشرات السنين هذا المقال، وأعادت نشره مؤخراً مجلة النيويوركر، وترجمه مشكورا الأستاذ عبدالله الحراصى، وأهدى مقتطفات منه إلى كل الذين يختارون الطعن فى دينى وذمتى كلما قرأوا لى كلاما لا يعجبهم، وأخص بالذكر القراء الذين أرسلوا لى إيميلات تكفيرية وتخوينية يومى الأحد والإثنين الماضيين.

يقول مارك توين: «لقاطنى القبور ميزة لا يبزهم فيها أى إنسان حىّ، ألا وهى ميزة حرية الكلمة. وإن تحرينا الحقيقة فإن الأحياء يحظون بهذه الميزة أيضاً، غير أنها ليست عندهم إلا محض أمر شكلى فارغ من مضمونه، حيث يعرفون، أن ثمنها غالٍ يفوق الاحتمال، ذلك أن حرية الكلمة قد تقضى على عمل الإنسان، وربما أفقدته أصدقاءه، وجلبت له المهانة والمسبة من السابلة والدهماء، وربما تسببت هذه الكلمة الحرّة فى أن ينبذ الناس أسرته التى لا جريرة لها فيما فعل، ويصبح بيته معزولاً مقاطعاً لا يزوره أحد.

إن الرأى الحرّ المخالف للآراء السائدة فى السياسة أو الدين يعيش مكنوناً فى قلب كل إنسان ولا يُباح به... والقاعدة هى أنه كلما ازداد ذكاء المرء وحدة ذهنه، ازداد ما يخبئه فؤاده الكتوم من هذا النوع من الآراء، التى لا يذيع بها لأحد. ولا يوجد على ظهر البسيطة إنسانٌ، حتى أنا وأنت أيها القارئ، لا يحمل معتقداً عزيزاً مضمراً خفياً تمنعه الآراء العامة من أن يتفوه به.

إننا نكتم رأياً ما فى بعض الأحيان لأسباب لا تعيبنا، بل لأن هذا الكتمان يجلب لنا الفائدة، غير أن الغالب هو أننا نكتم رأينا الذى يخالف الرأى العام، لأنه لا يمكننا تحمل الثمن المرير الذى يتوجب علينا أن ندفعه إن نحن صدعنا به وأشهرناه على الملأ، فليس منا من يحب أن يمسى مكروهاً منبوذاً يتجنبه الناس، والنتيجة الطبيعية لهذه الظروف هى أننا، بوعى أو بدون وعى، نجعل سعينا لجعل رأينا متناغماً مع رأى جيرتنا ومن حولنا، ولضمان موافقتهم على ما نقول، أعظم من سعينا لتفحص الآراء بالبحث والتنقيب فى صحتها وسلامتها. إن هذه العادة تؤدى بشكل طبيعى إلى نتيجة أخرى، وهى أن الرأى العام الذى يولد ويترعرع بحسب هذا النهج ليس رأياً على وجه الإطلاق، بل ما هو إلا (مسايسة)، فليس فيه حظ من العمق، كما أنه يخلو من المبادئ، وليس أهلاً لأى احترام.

إن حرية الكلمة هى ميزة لا يحظى بها إلا الموتى، يحتكرونها ولا يشاركهم فيها أحد. إن الموتى يستطيعون أن يقولوا وبصدق وأمانة ما يدور فى أذهانهم دون أن يؤذوا أحداً. ونحن نستجيب بالرحمة لما يقوله الموتى: ربما لا نقر ما يقولونه، غير أننا لا نشتمهم ولا نسبّهم، لمعرفتنا أنهم لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم الآن. لعمرى ما الذى سيقوله الموتى لو تكلموا! إن الناس سيكتشفون أن الراحل كان يحمل آراء تخالف ما كان يصرح به فى حياته، وأنه بسبب الخوف أو الحكمة المدروسة أو الإحجام عن التسبب فى جرح الأصدقاء فإنه قد احتفظ لنفسه ببعض الآراء التى لم يشكّ بها عالمُه الصغير، وأنه حملها معه غير محرّفة ولا مغيّرة إلى قبره، وإن هذا سيدفع الأحياء إلى إدراك جارح وموبِّخ بحقيقة أنهم أيضاً قد شربوا من نفس الكأس: إنهم سيدركون فى أعمق أعماقهم أنهم وكل الناس معهم، ليسوا فى الواقع كما يبدون فى الظاهر ومن المحال أن يكونوا.

ليس منا من لا يرغب فى إظهار أسرارنا هذه، غير أننا لا نستطيع فعل ذلك فى حياتنا، فلم لا نفعل ذلك من القبور، ونكسب بذا السعادة والرضا؟ لم لا نضع هذه الأمور فى مذكراتنا، بدلا من أن نعزلها من كتابتنا ومن أن نتجنبها؟ لم لا ندونها ونترك مذكراتنا لأصدقائنا ليقرأها من يأتى من بعدنا؟...أشعر بهذا بوجه الخصوص فى كل أسبوع أو أسبوعين حينما أود نشر شىء ينصحنى عقلى بوجوب عدم نشره.

وفى بعض الأحيان تكون مشاعرى فى قمة الهيجان والاشتعال إلى حد أننى أتناول القلم وأسكبها على ورقة حتى لا أحترق فى داخلى. ثم يضيع كل ذلك الحبر والجهد، والسبب هو أننى لا أستطيع نشر ما كتبت. لقد انتهيت للتو من كتابة مقالة من هذا النوع، وقد أشعرتنى بالرضا التام. إن روحى تشعر بالسعادة حينما أقرؤها، بل إننى أجلّ وأستحسن المتاعب التى ستسببها لى ولأسرتى. سوف أخلفها من بعدى، وسوف أنطق بها من قبرى».

هذا ما اختار مارك توين أن يفعله، وقد سار على نهجه ملايين من الكتاب من بعده، دون حتى أن يقرأوا ما قاله، أما أنا فقد إخترت قبل قراءته وبعدها، أن أحتذى بكتاب آخرين أحبهم، فأنطق دائما بما أراه أقرب إلى الحق قبل أن أنزل إلى قبرى، فما أتعس أن يحول الكاتب عقله إلى قبر مؤقت يدفن فيه أفكاره لكى لا تجلب عليه سخط الناس، والله من وراء القصد.

بلال فضل

اغسطس 2010


الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

مقالة علاء الأسوانى : هل يُعتبر الظلم من مبطلات

مقالة علاء الأسوانى : هل يُعتبر الظلم من مبطلات

كتبهاعلاء الأسوانى ، في 17 أغسطس 2010 الساعة: 13:20 م

مقاله علاء الاسوانى (( جملة إعتراضية ))
فى جريدة الشروق
17 أغسطس 2010
هل يُعتبر الظلم من مبطلات الصيام؟
منذ سنوات كنت أركب المترو يوميا من السيدة زينب، أمام المحطة كان هناك بائعون افترشوا الأرض ليعرضوا بضاعتهم المتنوعة. بينهم كان رجل هادئ ومهذب جاوز الستين يرتدى دائما جلبابا وجاكيت قديما ويفرش بضاعته أمامه على الأرض:
أقفال ومفكات ومفارش من البلاستيك وأكواب وغير ذلك من الأشياء البسيطة. ذات صباح، فى رمضان، رأيت حملة من شرطة المرافق تنقضُّ على البائعين، معظم الباعة حملوا بضاعتهم وركضوا بأقصى سرعة فنجوا لكن البائع العجوز لم يتمكن من الهرب، صادر المخبرون بضاعته ولما راح يصيح ويستغيث انهال عليه الضابط بشتائم قبيحة مقذعة، ولما استمر فى الصياح ضربه المخبرون ضربا مبرحا وقبضوا عليه واصطحبوه معهم. العجيب أن المخبرين الذين ضربوه كانت وجوههم شاحبة من أثر الصيام.
فكرت فى أن هؤلاء الذين ظلموا البائع العجوز لا يتطرق إليهم الشك أبدا فى أن صيامهم صحيح من الناحية الشرعية.
وجدتنى أتساءل: كيف نصوم رمضان ونؤذى الناس..؟!. ألا يعتبر ظلم الناس من مبطلات الصيام..؟!.. عدت إلى كتب الفقه فوجدت مبطلات الصيام سبعة أشياء:
أولا الأكل والشرب، ثانيا ما كان مثل الأكل والشرب، ثالثا الجماع، رابعا الاستمناء، خامسا القىء عمدا، سادسا نزول الدم من الحجامة، سابعا نزول دم الحيض أو النفاس من المرأة.. مبطلات الصيام إذن كلها تخص الجسد. مع أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه»..
بناء على هذا الحديث العظيم قال بعض الفقهاء إن هناك مبطلات معنوية للصيام مثل الكذب والظلم والنميمة، لكن جمهور الفقهاء حصروا مبطلات الصيام فى الأشياء الحسية أما السلوك المنحرف فهو فى رأيهم يضيع ثواب الصيام لكنه لا يبطله.. بالتالى فإن الصائم إذا تقيأ عمدا أفطر فى الحال أما إذا كذب ونافق وظلم الناس وأكل حقوقهم فإن ذلك لا يبطل صيامه.
بهذا المفهوم الغريب للصيام نجد أنفسنا وجها لوجه أمام القراءة المغلوطة للدين. لقد تحولت العبادات فى أحيان كثيرة إلى هدف فى حد ذاتها بدلا من أن تكون وسيلة للترقى وتطهير النفس.
صار للتدين خطوات ثابتة محددة كأننا بصدد إعلان شركة تجارية أو إصدار جواز سفر. تحول الإسلام عند كثيرين إلى مجموعة من الإجراءات على المسلم أن يستوفيها بحذافيرها بغير أن يؤثر ذلك بالضرورة على سلوكه فى الحياة. هذا الانفصال بين العقيدة والسلوك صاحب عصور الانحطاط فى العالم الإسلامى، بل هو فى الحقيقة السبب الأول فى الانحطاط.
اذا أردت أن تتأكد بنفسك يا عزيزى القارئ ما عليك الا أن تتوجه إلى أقرب قسم للشرطة ستجد المواطنين يُضربون ويُهانون والذين يفعلون بهم ذلك كلهم صائمون لايتطرق إليهم أدنى شك فى صحة صيامهم..
فى مصر عشرات الألوف من المعتقلين الإسلاميين الذين قضوا وراء القضبان سنوات طويلة بلا محاكمة بل إن كثيرين منهم حصلوا على أحكام عديدة بالإفراج ظلت حبرا على ورق ولم تنفذ أبدا. المسئولون عن تدمير حياة هؤلاء البؤساء وأسرهم، مسلمون نادرا ما تغيب عن وجوههم علامة الصلاة ولا يحسون أبدا بأن ما يفعلونه ينتقص من دينهم. الأعجب من ذلك ما يحدث فى المقار الأمنية والمعسكرات التى يتم فيها تعذيب المقبوض عليهم ببشاعة لانتزاع الاعترافات المطلوبة منهم..
فى هذه السلخانات البشرية التى تنتمى إلى ظلام العصور الوسطى، توجد دائما زاوية يؤدى فيها الجلادون الصلاة فى مواقيتها.. هل يوجد من هو أحرص على شعائر الدين من قادة الحزب الوطنى الذين نهبوا الشعب المصرى وزوروا إرادته وأفقروه وأذلوه…؟!
هذا الفهم الخاطئ للدين هو الذى حوَّل شهر رمضان من مناسبة إلهية لتقويم سلوك الإنسان إلى حفلة زار كبيرة ندخلها جميعا فنصخب ونصيح ونصلى ونصوم ولا ينعكس ذلك غالبا على تعاملنا مع الناس… عندما أرى آلاف المسلمين يزحفون كل ليلة لأداء صلاة التراويح أحس بمزيج من البهجة والحزن. أبتهج لأن المسلمين متمسكون بدينهم فلا شىء يثنيهم عن أداء فرائضه، وأحس بالحزن لأن هذه الألوف المؤلفة من الناس قد فاتتهم رسالة الإسلام الحقيقية: «إن غاية الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر». كثير من المسلمين لا يرون فى الإسلام إلا الحجاب والنقاب والصلاة والعمرة والحج.
هؤلاء يثورون بشدة احتجاجا على مشهد تظهر فيه ممثلة عارية ويقودون حملات عنيفة لمنع مسابقات ملكة الجمال لكنهم أمام الاستبداد والقمع لا ينطقون بكلمة واحدة، بل إنهم مذعنون مستسلمون لظلم الحاكم لا يفكرون أبدا فى الثورة عليه..
هؤلاء المسلمون، فى فهمهم القاصر للدين، ضحايا لنوعين من المشايخ. مشايخ الحكومة ومشايخ الوهابية. أما مشايخ الحكومة فهم موظفون عندها يتقاضون رواتبهم وحوافزهم منها، وبالتالى يستخلصون من الدين كل ما يؤيد رغبات الحاكم مهما تكن فاسدة أو ظالمة أما مشايخ الوهابية فهم يؤكدون أن الخروج على الحاكم المسلم حرام حتى ولو كان فاسدا بل إن طاعته واجبة حتى ولو سرق مال المسلمين وجلد ظهورهم ظلما.
الوهابيون يشغلون العقل المسلم بكل ماهو ثانوى فى الدين. فى مصر عشرات القنوات التليفزيونية الوهابية، الممولة بأموال النفط، يظهر فيها يوميا مشايخ يتقاضون سنويا ملايين الجنيهات مقابل إلقاء المواعظ على المصريين الذين يعيش نصفهم فى الفقر المدقع. يظهر الشيخ من هؤلاء على الشاشة وبجواره إعلانات عن غسالات وثلاجات وكريمات لإزالة البقع الجلدية ومستحضرات لإزالة الشعر نهائيا من جسد المرأة..
وهم يعظون المسلمين فى كل شىء الا فيما يحتاجون اليه حقا. لن تجد شيخا واحدا منهم يتكلم عن التعذيب ولا تزوير الانتخابات ولا البطالة. لن تجد شيخا واحدا يحذر المصريين من أن يتم توريثهم من الحاكم إلى ابنه كأنهم مجموعة من البهائم. بعض هؤلاء المشايخ لم يتحرجوا من إعلان تعاونهم الكامل مع أجهزة الأمن، وبعضهم أفتى بأن التظاهر والاضراب حرام على المسلمين.
أى أنهم لم يكتفوا بالسكوت عن الحق بل أعانوا الحاكم على الظلم عندما منعوا الناس من المطالبة بحقوقهم المضيعة. هذا التدين الشكلى، السبب الأصيل فى تخلفنا، وصفه منذ مائة عام المصلح العظيم الإمام محمد عبده (1849ــ1905) فى أعماله الكاملة (الصادرة عن دار الشروق)
فكتب يقول:
«المسلمون ضيعوا دينهم، واشتغلوا بالألفاظ وخدمتها. وتركوا كل ما فيه من المحاسن والفضائل. ولم يبق عنهم شىء، هذه الصلاة التى يصلونها لا ينظر الله إليها ولا يقبل منها ركعة واحدة: حركات وألفاظ لا يعقلون لها معنى، لا يخطر ببال أحد منهم أنه يخاطب الله تعالى ويناجيه بكلامه ويسبح بحمده ويعترف بربوبيته ويطلب منه الهداية والمعونة دون غيره.
من العجيب أن فقهاء المذاهب الأربعة (وربما غيرهم أيضا) قالوا ان الصلاة بلا حضور ولاخشوع، يحصل بها أداء الفرض.. ما هذا الكلام.. انه باطل».
هذه الكلمات على الرغم من قسوتها تؤكد من جديد الحقيقة الغائبة:
إن جوهر الإسلام الدعوة إلى الحق والعدل والحرية، وكل ماعدا ذلك أقل أهمية. إن الشعور الدينى الجياش فى مصر حقيقى وصادق لكنه نادرا ما يتخذ مساره الصحيح.. القضية الرئيسية فى بلادنا واضحة كالشمس: حالة مروعة من الفساد والقمع والظلم استمرت ثلاثين عاما حتى دفعت بمصريين كثيرين إلى الانتحار أو الجريمة أو الهروب من الوطن بأى ثمن.
بعد أن ظل الرئيس فى الحكم ثلاثين عاما بغير انتخابات حقيقية واحدة، فإن المسرح يعد الآن لكى يرث ابنه الحكم من بعده. كأن مصر الكبيرة العظيمة قد تحولت إلى مزرعة دواجن يكتبها الأب باسم أولاده. أليس فى هذا قمة الظلم.؟!. عندما نقتنع أن الظلم من مبطلات الصيام وندرك أن انتزاع حقوقنا المغتصبة أهم من ألف ركعة نؤديها فى صلاة التراويح.. عندئذ فقط نكون قد توصلنا إلى الفهم الصحيح للإسلام.. الإسلام الحقيقى هو الديمقراطية.
الديمقراطية هى الحل…..

الاثنين، 16 أغسطس 2010

ليسوا إخواناً … وليسوا مسلمين

ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين .. أشهر جمله في تاريخ الإخوان المسلمين.. لأن من قالها هو مرشدهم ومؤسس جماعتهم الشيخ حسن البنا رحمه الله .. وقد قالها فيهم هم أنفسهم .. لكن متى قالها .. وكيف .. ولماذا ؟ هذا ما سأعرض له في هذا المقال ان شاء الله .. ومن خلال العرض لمرحله لهي أهم المراحل في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين ألا وهي مرحلة التأسيس والخروج من القمقم .
- ان التعرض لتاريخ الإخوان المسلمين لأمر بالغ الصعوبه .. وذلك لشدة حساسية موقع الإخوان المسلمين في الشارع العربي من أقصاه إلى أدناه ومن مشرقه إلى مغربه .. وأنا سأكتفي بنقل صفحة من التاريخ كما رواها أصحابها .. ويعلم الله اني قد تحريت الدقه في مصادر معلوماتي وقد اكون اقتصرتها تقريبا على كتب وأدبيات أعضاء الإخوان المسلمين أنفسهم إلا القليل منها .. ولكن ما يهمني في الأمر هو مابين السطور فإن التاريخ قد مضى وانتهى والحديث عنه لن يجدي في شئ غير اللهم الحكمه والموعظه والتعلم من الماضي للعون على حسن التدبير للمستقبل .
- بنظرة مبدأية لثقافة وفكر حسن البنا .. نجده قد تأثر كثيرا بفكر السيد جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده .. لكنه كان يميل بشكل أكبر لإتجاه مدرسة المجددين المحافظين المتمثله في فكر السيد رشيد رضا .
- في مدينة الإسماعيليه و في الثالث والعشرين من مارس/أذار عام 1928 أجتمع ستة أشخاص من العاملين في معسكرات الإنجليز بالأستاذ حسن البنا – الذي كان يعمل مدرس لللغة العربية في المدرسة الإبتدائية الأميرية بالإسماعيليه – وأعلن السبعة أشخاص أنفسهم جماعة الإخوان المسلمين بقيادة الأستاذ حسن البنا الذي لقب نفسه بالمرشد وكان عمره اثنين وعشرين عاما فقط .
- وضع المرشد اسس تكوين الجماعه وتمثلت في ثلاثة أجيال على النحو التالي :
- جيل التكوين .. وهذا الجيل عليه ان يستمع .. والطاعة ليست فرض عليه .
- الجيل المحارب أو جيل الجهاد .. وهذا الجيل هو جيل التنفيذ .. والطاعة التامه فرض عليه .
- جيل الإنتصار .. وهذا الجيل هو الذي سيتولى أمر المسلمين وحكمهم بالشريعة الإسلاميه في دولة
الخلافة .. وهو المطلوب تحقيقه .
- انطلق حسن البنا ورفاقه في نشاط وجهد ودأب .. ولأنه يتحدث بإسم الدين فكان إنتشاره هو وجماعته كإنتشارالنار في الهشيم .. ففي خلال عامين فقط انتشرت الجماعه وخرجت من حدود مدينة الإسماعيليه إلى المدن المجاوره بل وتخطت المدن المجاورة .. وخلال أربعة أعوام كانت الجماعه قد بلغت عشر شعب وانتقلت بمركزها للقاهره وأصدرت مجلة اسبوعيه بإسم جماعة الإخوان المسلمين وصار لها فروع خارج مصر في سوريا ولبنان والسودان وفلسطين .. وكانت كل يوم في إزدياد في أعداد المنضمين اليها من المنادين بإعادة دولة الخلافه على يد الإخوان المسلمين .
- عشرة سنوات هي عمر الجيل الأول من الجماعه .. ثم بدأ حسن البنا في العام 1938 ينتقل بجماعته للجيل الثاني وهو الجيل المحارب او جيل الجهاد .. وبالفعل بدأ في تحويل جزء من الجماعه من العمل المدني الدعوي للعمل العسكري .. فأنشأ فرق للرحلات تطورت لجواله بلباس عسكري تطورت إلى كتائب تطورت إلى أسر تطورت بطبيعة الحال لتنظيم مسلح .. عرف هذا التنظيم بإسم الجهاز الخاص أو التنظيم السري … شروط الإنضمام إليه بالغة الصعوبه لأن عناصره يتم اختيارهم بدقة بالغه .. شعارهم الموت في سبيل الله والتضحيه بكل ماهو غالي ونفيس … قانون هذا التنظيم يعرف بقانون التكوين .. أي أنه يتم تكوين التنظيم من مجموعات وكل مجموعه ينبثق عنها مجموعات أخرى ينبثق عن كل منها مجموعات أخرى بحيث لا يكون هناك رابط بين المجموعات وبعضها لتأمين أنفسهم .
- اختارالمرشد حسن البنا عبد الرحمن السندي مسؤولاً أول للتنظيم السري يعاونه أحمد زكي و محمود الصباغ و أحمد حسن و مصطفى مشهور . هذه المجموعه تتلقى أوامرها من المرشد حسن البنا شخصيا ً- كما ذكر محمود الصباغ – ثم بدأ هذا التنظيم العمل الفعلي بإلقاء القنابل في أماكن تجمع جنود الإحتلال الإنجليزي وفي الحانات كما قاموا بتفجير قطار مخصص لنقل الجنود الإنجليز .
- في العام 1945 قام محمود العيسوي أحد المنتمين للحزب الوطني بإغتيال أحمد باشا ماهر رئيس وزراء مصر .. و قد أقر الشيخ أحمد حسن الباقوري والشيخ سيد سابق المنتميان لجماعة الإخوان المسلمين في مذكراتهما بأن محمود العيسوي هذا كان من صميم الإخوان المسلمين .
- في نفس العام 1945 أجرت مجلة المصور إستفتاء على إختيار رجل العام ففاز حسن البنا باللقب .
- في العام 1946 اندلعت في مصر مظاهرات عديده رافضة لإتفاقية صدقي – بيفين .. كان للإخوان فيها حظاً كبيرا ..وقد قامت الشرطه بقمع المظاهرات .. ورداً على قمع الشرطة لهذه المظاهرات قام التنظيم السري للجماعة بتفجير عدد من أقسام الشرطة .. فزاد ذلك من شغف العامه وإعجابهم بشجاعة جماعة الإخوان المسلمين فبدأت تتدفق عليهم الأعداد من كل حدب وصوب أخذين في الإنضمام للجماعة .. حتى ان في العام 1946 نفسه كان من السهل على محمود لبيب تجنيد خالد محي الدين وجمال عبد الناصر وكمال حسين للعمل مع النظام الخاص وقد أقسم ثلاثتهم بالإضافه لجمال البنا الشقيق الأصغر لحسن البنا أقسموا جميعا في يوم واحد على المصحف والمسدس بالولاء للجماعه والتنظيم السري والتضحيه بالنفس .. وكان ذلك أمام عبد الرحمن السندي مسؤول التنظيم … ولو أن جمال عبد الناصر تضايق بعدها من الطريقه التي ذهبوا بها اليهم وإلقاء القسم – حسب ما أورد خالد محي الدين – ولكن الحماس للجماعه كان هو الغالب .
- في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1947 أصدرت الأمم المتحده قرار بتقسيم فلسطين .. فبدأت جريدة الإخوان المسلمين بدعوة الجيوش العربية للدخول في الحرب ضد اليهود وشارك حسن البنا في تكوين لجنة وادي النيل لجمع الأموال والسلاح للجهاد في فلسطين . علا نجم حسن البنا وتألقت الجماعه في الشارع العربي .
- مع بداية عام 1948 وهو عام الكوارث على الإخوان المسلمين .. وبالتحديد في السابع والعشرين من فبراير / شباط وقع إنقلاب على نظام الحكم في اليمن أغتيل فيه الإمام يحيى حميد الدين حاكم اليمن على يد المعارضه بزعامة عبد الله الوزيري .. وكان لحسن البنا وللجماعه الدور الأكبر في هذا الإنقلاب بالتعاون مع البدر حفيد الإمام يحيى لإعداد اليمن لتكون أولى دول الخلافه .. ولكن الإنقلاب لم يدم لأكثر من ستة وعشرون يوماً فقط … فكان ذلك بداية التوتر بين ملك مصر وحكومتها من جانب وجماعة الإخوان المسلمين ورجلها الأول حسن البنا من جانب أخر .
- في الثاني والعشرين من مارس /أذار من نفس العام 1948.. قام التنظيم السري بإغتيال قاضي مدني وهو القاضي أحمد بك الخازندار وهو يعبر الطريق على يد عضوي الجماعة حسين عبد الحافظ ومحمود زينهم اللذان عوقبا بالأشغال الشاقه المؤبده لكلاهما .. وقد تم إغتيال القاضي بعدما حكم في قضية كان احد أطرافها عضوا في جماعة الإخوان المسلمين .
- برئاسة الدكتور عبد العزيز كامل عقدت الجماعه جلسة محاكمه لعبد الرحمن السندي المسؤول الأول عن التنظيم السري - الذي يتلقى أوامره من المرشد العام حسن البنا مباشرة – وحينما سألوا السندي هل تلقيت أمرا بقتل القاضي أحمد الخازندار .. !!!!!!!؟؟
فقال انا سمعت فضيلة المرشد يقول ( لو كان ربنا يريحنا منه .. وأهو ربنا ريحنا منه عن طريق الجهاز ) أنا ظننت ان فعل كهذا سيسعد فضيلته !!!! فإتجهوا لفضيلة المرشد فأجهش فضيلة المرشد حسن البنا بالبكاء لأن الرجل كان قد فهمه خطأ !!! وذكر محمد فريد عبد الخالق الذراع الأيمن لحسن البنا أنه لم يرى المرشد مهموماً طيلة حياته مثل هذه اللحظات !!!! فقالوا لعبد الرحمن السندي لا تنفذ أي عمليات في المستقبل إلا بأمر من المرشد العام شخصياً أو أمر بموافقة الخمسة الأعضاء … وحكمت الجماعه بدفع الديه لأسرة المقتول وأقروا في نفس الجلسه ان الحكومه عليها دفع هذه الديه لأنها من أموال الشعب وأغلق الموضوع .. وخرج حسن البنا مرشد عام الإخوان المسلمين والمرشح الأول لمنصب خليفة المسلمين في حال قيام دولة الخلافه في لقاء الثلاثاء وهو لقائه بالجماعه من كل اسبوع ليخطب فيهم خطبه تقوي ايمانهم ….. وأنكر قيام الجماعه بإغتيال القاضي أحمد الخازندار … إلى ان أثبتت التهمه وتم الحكم على الفاعلين بعد خمسة أشهر .
- في الخامس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام 1948 أمسكت الشرطة سيارة جيب بها مستندات تخص جماعة الإخوان المسلمين .. عباره عن مخططات تفجير سفارتي أمريكا وبريطانيا وأماكن أخرى .. ومستندات كل عمليات التفجير التي تمت في الأونه الأخيره فضلا عن بعض القنابل والمتفجرات .. والأهم من ذلك القبض على ثلاثه من رجال الإخوان كان أهمهم مصطفى مشهور أحد الخمسه المؤسسين والمسؤولين عن التنظيم السري بالإضافه لأحمد عادل كمال وأخر .
- في الرابع من ديسمبر / كانون الأول من نفس العام 1948 جرت مظاهرة بكلية الطب بجامعة فؤاد ( القاهره ) فقاد اللواء سليم زكي - حكيمدار شرطة القاهره - قوات الأمن لفض المظاهره .. وإذا بطالب ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين يلقى عليه بقنبلة من الطابق الرابع فسقطت أمامه فمات على الفور .. وكما يقول محمود الصباغ في تبريره لتلك الواقعه ( كان إلقاء القنابل في المظاهرات من جانب المتظاهرين في هذه الأيام امراً عادياً ) .. إشتعل الموقف بعد هذا الحادث بين الحكومة السعديه والإخوان مما دعى حسن البنا ان يطلب من رئيس مجلس النواب حامد جوده في نفس اليوم التوسط لدى محمود النقراشي باشا رئيس الوزراء لبدء صفحة جديده بين الجماعه والوزراة .. لكن جوده رفض مطلبه . .. حاول البنا الإتصال بالملك فاروق أو بإبراهيم عبد الهادي رئيس الديوان الملكي في محاولة لإحتواء الأزمه .. ولكن دون فائده .
- في السادس من ديسمبر / كانون الأول 1948 أي بعد يومين من الحادث صدر الأمر بإغلاق صحيفة الإخوان … وفي نفس اليوم خرجت جريدة الأساس .. جريدة الحزب الحاكم بعنوان .. أخبار ساره ستذاع قريباً .. فساد التوتر تصرفات الجماعه وحاول حسن البنا فعل اي شئ لإنقاذ الموقف بعدما شعر بخطورته .. ولكن دون فائده .
- في الثامن من ديسمبر / كانون الأول من نفس العام 1948 أي بعد يومين أخرين وبالتحديد في الساعة العاشرة مساءً إتصل عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخليه بالمرشد حسن البنا ليبشره بأن أخبار ساره ستذاع في الراديو بعد قليل من شأنها إنقاذ الموقف .. فشكره حسن البنا .
- تجمع قادة الجماعه ومعظم المنتمين لها بالمقر العام بالدرب الأحمر - بقلب القاهره – وإلتفوا جميعاً حول الراديو … في إنتظار الأخبار التي سيذيعها الراديو .
- في الساعه الحادية عشر من مساء يوم الثامن من ديسمبر / كانون الأول عام 1948 أذاع راديو القاهره أمر الحاكم العسكرى العام رقم 63 لسنة 1948 بحل جماعة الإخوان المسلمين بكل فروعها في البلاد ومصادرة أموالها وممتلكاتها .
- بعد أقل من عشر دقائق خرج الإخوان من المقر العام فوجدوا ان المكان قد تم حصاره من جميع الجهات وانهم وقعوا في الفخ وتم القبض عليهم جميعاً …. ما عدا حسن البنا .. المرشد العام ومؤسس الجماعه .
- شعر حسن البنا بأن مؤامرة أخرى تحاك ضده ويحتاجونه وحيداً ولذلك لم يقبضوا عليه .. فحاول التشبث بسيارة الشرطه وتوسل إليهم ليقبضوا عليه مع باقي أفراد الجماعه … لكنهم أبعدوه .
وكما يقول محمد فريد عبد الخالق .. أن حسن البنا طلب من الحكومه طلباً رسمياً بأن يعتقلوه بصفته رئيس الجماعه وهو المسؤول الأول عن الجماعه بعدما شعر بالخطر .. ولكن طلبه قوبل بالرفض .
- قرر الإخوان المسلمين الإنتقام من النقراشي باشا رئيس الوزراء ردا على قرار حل الجماعه والذي رأوا فيه إعتداء على الدين وإعتداء على شرع الله - حسبما ذكر ممثل الإدعاء عبد الله رشوان .. كما انهم رأوا ان قرار حل الإخوان لا يصدر عن مؤمن- كما ذكر محمود الصباغ احد قادة التنظيم السري .. وأنهم رأوا أن شخص كمثل النقراشي باشا بكل هذا الطيش والعناد وعدم ملاحظة الإعتبارات لابد ان يزاح عن الطريق بأي ثمن .. كما قال جمال البنا الشقيق الأصغر لحسن البنا .
- كان محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الحزب السعدي ورئيس الوزراء والحاكم العسكري العام فضلاً عن كونه وزير الداخليه ووزير الماليه في وزارته .. قد شعر بالخطر فبدأ يشدد الحراسات حوله تحسباً لفعل إخواني كردة فعل على قرار حل الجماعه .
- ولم يشأ العام أن ينتهي بكل هذه الكوارث فقط .. ففي العاشرة من صباح يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من ديسمبر / كانون الأول عام 1948 وفي بهو وزارة الداخليه تنكر شاب من شباب الإخوان المسلمين في زي ضابط وقام بإطلاق الرصاص على النقراشي باشا بين أفراد حراسته فارداه قتيلا ً .
- زاد الإحتقان بين الجماعه وكل الناس تقريباً .. فالجميع يلتزم الصمت في ترقب و إنتظار لحادث إرهابي جديد من الإخوان .. تم حصار المرشد العام حسن البنا في بيته .. ثم تم القبض على عبد الرحمن السندي مسؤول النظام الخاص .. و تولى سيد فايز مسؤولية النظام الخاص .
- بدأ العام الجديد ……….
- في صباح يوم الثالث عشر من يناير / كانون الثاني عام 1949 قام شفيق أنس أحد المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين بحمل حقيبه وذهب بها إلى محكمة الإستئناف بباب الخلق بوسط القاهره .. وإدعى بأنه مندوب من إحدي مناطق الأرياف جاء بقضايا للعرض على النائب العام .. وترك الحقيبه في المكتب بداخل المحكمه وذهب بحجة تناول الإفطار .. وبعدما غادر المكتب بدأت شكوك الموظفين بالمكتب حول الحقيبه .. فتم إستدعاء الأمن .. أخذوا الحقيبه خارج المحكمه وانفجرت بالشارع العام .. وبعد القبض على شفيق أنس أعترف بأن الغرض من التفجير كان نسف المحكمه وذلك للتخلص من أوراق ومستندات قضية السيارة الجيب … وكان ذلك بأمر من سيد فايز مسؤول التنظيم .
- قام عبد العزيز باشا على ومصطفى بك مرعي بزيارة المرشد العام حسن البنا في بيته – حسبما أورد رفعت السعيد - ولا يعلم ما دار بينهم إلا الله .. فخرج حسن البنا في اليوم التالي ببيان تم توزيعه في الصحف يقول فيه حسن البنا المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمينليسوا إخواناً وليسوا مسلمين … واصفاً رجال التنظيم السري أو الجهاز الخاص الذي أنشأه البنا بنفسه قبل اكثر من عشر سنوات هي عمر أعمال الإرهاب والعنف بمصر على يد هذا التنظيم .
- وكان من الطبيعي ان تفكر كل الأطراف في التخلص من حسن البنا .. وقد كان .
- فقد تم إعداد فخ أخر لحسن البنا في يوم الثاني عشر من فبراير/شباط عام 1949 بإستدراجه خارج بيته وتم تصفيته بشارع رمسيس أمام مبنى جمعية الشبان المسلمين … من خلال خطه محكمه أعدها العقيد محمود عبد المجيد حكيمدار شرطة جرجا بصعيد مصر والذي تم استدعاؤه للقاهره خصيصا لهذه المهمه .. وقد قام بها … وتم إغتيال حسن البنا بالفعل .
- السؤال هنا .. ماهو هدف جماعة الإخوان المسلمين الذي قامت من أجله .. ؟الإصلاح أم إرهاب الأخر وفرض الرأي عليه بالقوه ؟ حوار العقل ام حوار المدافع ؟ ثقافة الدين ام ثقافة البارود ؟ ان كان الغرض هو الإصلاح .. فلماذا تم إنشاء التنظيم السري أصلاً .. لماذا تم انشاء وحده عسكريه داخل تنظيم ديني دعوي إصلاحي ؟ النظام الخاص لم يكن يستطيع تنفيذ أي عمليه بدون علم وأمر من المرشد العام .. فقد اورد خالد محي الدين بأن عبد الرحمن السندي المسؤول الأول عن التنظيم السري قال له ( انت تتلقى الأوامر مني وأنا أخذها من المرشد رأساً ) وكان ذلك في جلسة حلف اليمين التي رافقه فيها جمال عبد الناصر .
- إذاً المرشد يعلم بكل شئ بل هو صاحب الأوامر .. إن كانوا دعاة للخير فلماذا يقتلون كل من إختلف معهم أو حاول حتى ان يختلف معهم .. ان كان المرشد هو من يعطى الأوامر بالقتل في سبيل الوصول للسلطه .. فلماذا قال عن رجاله الأشداء .. ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين .. ؟؟؟!!!!
المصادر : محمود الصباغ- احمد عادل كمال- أحمد رائف – خالد محي الدين – رفعت السعيد – الجزيره نت –طارق البشري- فؤاد علام- عبد الله رشوان (ممثل الإدعاء في قضية إغتيال النقراشي باشا )
ماهر ذكي
شاعر وكاتب مصري مقيم بالصين
ليسوا إخواناً … وليسوا مسلمين