الجمعة، 4 أبريل 2008

الإسلام في كوسوفو: الحرية أهم من دين الدولة



عامر سلطان بي بي سي ـ بريشتينا
باستثناء أصوات الآذان وخاصة يوم الجمعة، لا يلمس زائر كوسوفو مظاهر للإسلام في البلاد إلا نادرا.

في مدرسة علاء الدين يتعلم الطلاب والطلبة كل في فصول منفصلة
وعندما تسير في شوارع العاصمة بريشتينا لا تجد ما يميزها عن شوارع أوروبا. ورغم أن حوالي 85 بالمئة من سكان كوسوفو مسلمون، فإنك لا ترى شواهد ذلك سواء في العاصمة أو الأقاليم.
ويقول رجال دين في كوسوفو إن أهلها "مسلمون بالإسم فقط".
ويقول الدكتور شوكت كراسنيتشه، إمام المسجد المركزي بوسط بريشتينا إن"هذا أمر طبيعي في بلد حرم من ممارسة الإسلام طوال الفترة بين نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1999".
خلال تلك الفترة حكم النظام العلماني الاشتراكي لجمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية البلاد. ومنعت الممارسات الدينية.
وكان ذلك تحولا طبيعيا عقب انتهاء نفوذ الأمبراطورية العثمانية بمنطقة البلقان وغيرها عام 1912. معركة كوسوفو
فالأتراك هم الذين جاءوا بالإسلام إلى البلقان بعد سيطرتهم عليها عقب انتصارهم على الصرب في معركة كوسوفو الشهيرة عام 1389ميلادي. أى أن عمر الإسلام في الإقليم، الذي أعلن الاستقلال عن صربيا في السابع عشر من شهر فبراير 2008، يتجاوز 600 عام.
" ماتراه الآن من زحام في صلاة الجمعة ليس سوى أحد شواهد الصحوة الإسلامية في كوسوفو"، يقول كراسنتشه الذي أرجع الفضل للقوى الغربية التي " حررت" كوسوفو من السيطرة الصربية بعد ضربات حلف الأطلسي عام 1999.

أكرم سيمنيتسه، عضو رئاسة المشيخة الإسلامية ومدير مدرسة علاء الدين
منذ ذلك العام، تزايد عدد المساجد وحلقات تحفيظ وشرح القرآن الكريم. والفضل في ذلك هو للعلماء والمدرسين الذين درسوا في السعودية ومصر واليمن ولبنان والأردن.
ورغم تعدد مصادر دراسة هؤلاء للإسلام، فإن الجميع يبدو مدركا لحقيقة أنهم يعيشون في كوسوفو التي هى ليست جزءا من العالم العربي. ولذلك فهم يحلمون بالإسلام العلماني.
" أردنا أم أبينا فإننا نعيش في أوروبا المتقدمة للغاية ولذلك فإننا لا بد أن نعيش إسلاما يتناسب مع المكان والزمان"، هذه نصيحة إمام المسجد المركزي للمترددين عليه من الشباب الألباني. " فالشريعة صالحة لكل زمان ومكان". إسلام ألباني
الحقيقة الجغرافية أقنعت الدعاة الكوسوفيين بأنه ليست هناك إمكانية للحديث عن تطبيق الشريعة، كما هو الحال في بعض الدول المسلمة.
" في هذا المنطقة يستحيل أن يكون الحكم بالشريعة الإسلامية"، يقول أكرم سيمنيتسه، عضو رئاسة المشيخة الإسلامية ومدير مدرسة علاء الدين الإسلامية في برشتينا. " ومادام الأمر كذلك فيجب أن نكون دولة مسلمة علمانية كما هو الحال في تركيا مثلا".
في مدرسة علاء الدين يتعلم الطلاب والطلبة، كل في فصول منفصلة، الإسلام الذي يسميه سيمنيتسه " الإسلام الألباني". وهذا كما يشير"الإسلام المعتدل البسيط السهل كما تعلمناه لأن كوسوفو لا تتقبل التشدد في الدين". ولا يسعى الكوسوفيون لأن يطبقوا الإسلام في الحكم أو السياسة " بل يريدون أن يحفظوا الإسلام في صدورهم ويطبقوه في حياتهم الخاصة وبيوتهم فقط".

كوسوفو الجديدة تسعى لإحياء الإسلام في القلوب وليس في السياسة
ولهذا فإن النص في الدستور المقترح على أنه ليس لكوسوفو دين رسمي، تنفيذا لخطة الأمم المتحدة التي اقترحت استقلال كوسوفو، لايزعج عضو رئاسة المشيخة الإسلامية.
وليس للدعاة اعتراض على علمانية الدولة طالما أنها ستضمن الحريات ومنها الحريات الدينية. " الشئ الذي نصر عليه هو الحرية الدينية وحقوق الإنسان ولو تحقق ذلك، كما وعد السياسيون الكوسوفيون، سيكون إنجازا كبيرا"، حسب اعتقاد أكرم أفديو، إمام مسجد ميتروفيتسا، شمال كوسوفو.
درس أفديو الفقه والحديث في السعودية، وكان أحد المقاتلين في كتيبة المجاهدين مع جيش تحرير كوسوفو خلال الحرب مع الجيش الصربي قبل طردهم. الحرية أهم من دين الدولة
كغيره من الدعاة الذين التقت بهم بي بي سي، لا يتوقع أفديو أن يصدر دستور ينص على أن كوسوفو دولة إسلامية "لأن الناس ليسوا مستعدين لهذا الأمر ومن ثم ليس واقعيا أن ينتظر أحد أن يصدر دستور مستوحى من الشريعة الإسلامية أو السنة النبوية".
ويقوم هذا الموقف على الواقعية السياسية، كما يسميها أفديو."فالدستور المرتقب هو نتاج كفاح استمر سنوات وتدخل أجنبي ومفاوضات وجهد دولى ولابد أن يؤخذ ذلك بعين الاعتبار عن صياغته".
لايزال مشروع هذا الدستور قيد النقاش على المستويات الشعبية في كوسوفو. وهناك إسلاميون غير راضين عن بعض صياغته فقط بسبب الخشية من التضييق على ممارسة بعض الطقوس والشعائر الدينية.
فالبند الرابع من المادة الثامنة والثلاثين من المشروع يتيح إمكانية حظر حرية ممارسة الدين لو هددت الأمن او السلامة في المجتمع.
ويخشي حسام الدين عباسي، إمام مسجد حسن بك في ضاحية كاترلولا، غرب بريشتينا من إساءة تفسير هذا البند مستقبلا.
" ربما يقول البعض لاحقا إن الحجاب مثلا في مؤسسات الدولة والمدارس يجب أن يمنع". ويحذر عباسي من" فرض علمانية متطرفة لا تعترف تقريبا بالدين ولو حدث ذلك فإن نظرة الحكم الجديد للدين لن تختلف عن نظرة الأنظمة الاشتراكية السابقة له".
ويؤكد كراسنيتشه هذه المخاوف لأن "الناس قد يتلاعبون بالقوانين الأمر الذي قد يحرمنا من الحرية الدينية التي تنادى بها أوروبا".

الكوسوفيون يرون أنهم أوروبيون
لا يفضل الدعاة في كوسوفو تصنيف اتجاهاتهم الإسلامية. وهم يعتبرون أن السلفية والأصولية والأخوانية " تذوب في كوسوفو" كما يقول عباسي. ومع أنه أحد هؤلاء الذين " لايحبون أن يسموا بأى مسمي غير المسلمين الوسطيين"، فإنه يعتبر أن هناك "نوعا من الحقيقة في القول بأن فهم الأخوان المسلمين للإسلام هو الأقرب إلى الكوسوفيين". العائدون من الدول العربية
"كل الإتجاهات الإسلامية موجودة في كوسوفو كما هو الحال في أنحاء العالم"، يقول كراسنيتشه. ولكنه يعتقد أن التصنيف هو على مستوى الصفوة فقط. أما" عامة الناس فهم لايميزون بين هذه الإتجاهات وكل ما يفهمونه ببساطة هو تمسك المسلم أو عدم تمسكه بالدين".
وهذا أحد أهداف المشيخة الإسلامية التي تسعى لئلا يحدث هذا الاستقطاب الديني لأنه، كما يقول إمام المسجد المركزي، " يحدث الشقاق في مجتمع كوسوفو المسلم ويأتي بسلبيات كثيرة".
في المقابل، لا يخلو المجتمع الكوسوفي من دعاة التصنيف ومنهم بعض التكفيريين الذين عادوا من الدول العربية. " ولكن هؤلاء قليلون ويجدون من يتصدون لهم"، حسب قول كراسنيتشه. " لأن سلوك هؤلاء شديد على المجتمع الكوسوفي. وهم آخر ما يحتاج إليه هذا المجتمع".
يقول أفديو إن " الأئمة في كوسوفو فهموا رسالتهم جيدا وهى توعية الناس، لو أرادوا، بحقيقة الدين. ولن يكون للمتشددين العائدين من الدول العربية أي تأثير".